أوّل الشهادة السودانية عام 1964م لم يعرف أنه الأول إلا بعد شهرين من ظهور النتيجة، وأول الشهادة السودانية عام 2009م، ظهر على شاشة التلفزيون بعد المؤتمر الصحفي مباشرة. أقل من نصف قرن بنصف عقد من الزمان هي المدة التي تفصل بين فرحتين مختلفين في ظروف مختلفة تماماً. أول الشهادة السودانية عام 1964م، البروفيسور محمد أحمد الشيخ، أخصائي النساء والولادة، والذي تقلّد عدة مناصب منها إدارة جامعة الخرطوم، وهو القروي الآتي من مدرسة خورطقت الثانوية، كانت الخرطوم تعتبر نقلة كبيرة له عندما أتاها لأول مرة للدراسة الجامعية، وأوّل الشهادة السودانية عام 2009م، محمد الفاتح البشير، وُلد في لندن وتلقى بعضاً من تعليمه في السعودية، ويسكن حي المهندسين في أم درمان.
قال البروفيسور محمد أحمد الشيخ في مقابلة مع جريدة "الصحافة" نشرتها يوم الاثنين الخامس عشر من يونيو : "في ذلك الوقت لا يوجد تلفزيون في كل أنحاء البلاد، وتذاع النتيجة عن طريق الراديو فقط وهو لم يكن متوفراً في القرية التي انحدر منها، وكان يوجد بها اثنان أو ثلاثة فقط، أحدهم ترانزيستور وهو بحوزة المساعد الطبي والآخر يعمل ببطارية كبيرة وهوائي عالي. كانت تربطنا علاقة طيبة مع المساعد الطبي وقررنا أن نتجمع عند لسماع النتيجة بعد أن علمنا بأنها ستذاع في ذلك اليوم، لكن لحضورنا المتأخر تمت إذاعة العشر الأوائل ولم أتمكن من سماع اسمي الذي كان أولاً."
لم يشر البروفيسور محمد أحمد الشيخ في المقابلة المذكورة إلى أي احتفال أسري أقيم له، بل تحدث عن المفاجأة المدهشة عند دخوله إلى خورطقت من أجل السلام ووداع الأصدقاء والأساتذة، الذين استقبلوه، وخرج الناظر من مكتبه مستقبلا الطالب الذي لا يعلم ما قدمه لمدرسته من عرفان وفخر منذ شهرين.
في الوقت الذي لم يعلم أول الشهادة السودانية عام 1964م أنه الأول على مستوى السودان إلا بعد شهرين، كان أوّل الشهادة السودانية عام 2009م حاضراً في الإعلام ليس على مستواه الشخصي بل أسرته أيضاً، فعرفنا في نفس اليوم، بل في الساعات الأولى من إعلان النتيجة، أين يسكن، وأنه يشجع فريق الهلال، ويخطط ليصبح مهندساً، ويحب الكمبيوتر ووالده طبيب في السلاح الطبي، وأخته كانت ثالثة الشهادة السودانية قبل أربع سنوات، وأنه تلقى وعداً من والده بإهدائه سيارة إذا ما أحرز المرتبة الأولى.
أقل من نصف قرن بخمس سنوات هي المدة الفاصلة بين إعلان أول الشهادة السودانية عام 1964م، وأول الشهادة السودانية عام 2009م. وفي ظني أن وجه المقارنة جدير بالتأمّل، ليس على مستوى أوائل الشهادة في العامين المذكورين، وإنما على مستوى الحالة التعليمية في بلادنا بصورة عامة.
كانت مدارس خور طقت ووادي سيدنا وحنتوب تمثّل الريادة في مصاف المدارس الثانوية في ذاك الزمان، ولعلني لا أبالغ إن قلت أنها تمثّل أكسفورد أو كمبريدج بالنسبة للمدارس الثانوية الحالية، ولولا بعض حياء لقلت بالنسبة للكثير من جامعاتنا في الوقت الراهن.