ظل أهل التصوف في السودان موضع التقدير والاحترام ومازالوا، فقد حملوا مشاعل التنوير والتبصير ليس في أمور الدين فحسب ولكن أيضاً فيإعلاء الفضائل ومكارم الاخلاق . كانوا قدوة للناس في الزهد والتواضع والإعراض عنشهوات الدنيا دونما قعود عن العمل الصالح النافع ودون التكسب بالقباب والأضرحة . أسهموا في مسيرة الحركة الوطنية إسهاماً بارزاً وهم يعبئون الأنصار والمريدينللخلاص من المستعمر والتطلع للعيش الحر الكريم.
اليوم تغير الحال ودخل سوحالتصوف بعض المشائخ الذين يكتسون الحرير ويفترشون الوثير ويشتهون القناطير المقنطرةمن الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ...خيلهم المسومة سيارات من فصائل (البرادو) و(الهامر) و(المرسيدس بنز) ...ما لديهم خلان وأصحاب إلا أهل السلطةوالمال ...يعرضون عن فقراء الناس ويمنحونهم أطراف أصابعهم في السلام ، ويتكسبون منبيارق التصوف ويعتصرون جيوب البسطاء من المريدين دونما جزاء أو شكور... بعضهم نصبواأنفسهم (وسطاء سماويين) بين الخالق والرعية وغفلوا عن حديث المصطفى (ص) حين قال( ربأشعث أغبر لو أقسم على الله لأبره).
تناسى بعضهم أن سيد الأولين والآخرين نبيناالكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم كان يرقع ثوبه ويخصف نعله ويحلب شاته ، وما شبعمن خبز الشعير يومين متتابعين حتى قُبض. كذلك تناسى بعضهم أن المصطفى الكريم (ص) إلتفت ذات يوم في حنان وتواضع لإمرأة هابته(اي خافت من عظم مكانته) وهو يطمئنهاويرفق بها وهو يقول: (هونى عليك فإنما أنا إبن إمرأة كانت تأكل القديد بمكة .. ( والقديد هو البائس من اللحم الجاف) ...ما أستوقفهم وهم ماضون في إشتهاء الدنيا قولالسيدة عائشة رضى الله عنها ( إنا كنا آل محمد لنمكث شهراً ما نستوقد بنار، إن هوإلا التمر والماء).
أين هؤلاء الجدد من (مشائخ التصوف) بلحاهم الأنيقة المشذبةووجوههم المتوردة وعطورهم الباريسية الفواحة وأساطيل سياراتهم المطهمة التي يتنقلونبها في مواكب شبه رئاسية ...أين هم من أصحاب رسول الله الكرام أمثال أبوذر الغفاريوزيد بن حارثة وبلال بن رباح وغيرهم من الزهّاد الكرام الاتقياء ؟ بل أين هم منفقراء هذا الشعب وبسطائه الذين باتوا لا يدركون حتى الكفاف في عيشهم ....والذينيتضور صغارهم جوعاً وتكاد المسغبة أن تقصف ما تبقى من أعمارهم ؟صدق الشاعرالفيتوري حين قال:
(دنيا لا يملكها من يملكها ** أغنى أهليها سادتها الفقراء** الخاسر من لم يأخذ منها ما تعطيه على استحياء** والغافل من ظن الاشياء هي الاشياء( !
****
الفاضل حسن عوض الله
جريدة الصحافة السودانية