ذلك المزارع الكادح رمي الطورية من فوق كتفه على الأرض .. عندما سمع بأن السودان أصبح منتجاً للذهب الأسود ( البترول ) .. فجلس تحت شجرة وأخذ نفساَ عميقاً ظل محبوساً منذ آلاف السنين .. وظن أن الفرج قد أتى .. وأن زمن المعاناة قد تولى .. وأفراد الشعب السوداني كل حسب مهنته أحس بقرب انتهاء عهود المكابدة والشقاء وقدوم عهود التنعم والرخاء .. ولكن ثم لكن .. مرت الأيام والسنوات .. فلم تتغير أحوال معظم أفراد الشعب .. بل زادت المعاناة بزيادة الإنتاج في براميل النفط .. فكأن البترول جاء وبالاً وليس تنعماً .. وبالأمس قالت امرأة جنوبية تبيع الشاي بمنطقة تنتج البترول بالجنوب بالحرف الواحد بأنها لم تحس بأن البترول جاء لها بجديد .. وبالعكس أنها بدأت تعاني بدرجات أكبر من قبل .. فذلك هو حال كل الشعب السوداني الذي لم يرتاح لحظة ليأخذ نفساً من السعادة .. وقد يقول قائل ولكن هناك آخرون متنعمون بخيرات البترول .. فنقول لهم ولماذا عندما حانت لحظة السعادة أصبحت فرض كفاية تجوز لأقليات ولا تجوز للأكثرية .. ولماذا لم تكن السعادة والرخاء فرض عين واجب لكل فرد !! .. وعندما كان واجب التضحيات مفروضاً بأشكالها وألوانها كان فرض عين على كل صغير وكبير .. والكل يلتزم .. حتى ذلك المزارع الذي رمى الطورية على الأرض كان يقدم الثلث للزبير والثلث للطير والثلث لفاعل الخير !! .. وبطاقات التضحيات كانت كثيرة .. والجبايات المفروضة كانت وما زالت كبيرة .. ثم عندما جاءت لحظات الفرج شرب قليلون وعطش الأكثرون !! .. وحتى وصلت المعاناة أطراف الأفواه .. والمشكلة أصبحت في لقمة الخبز الذي أصبح من النوادر .. وباقي السلع الضرورية اليوم في قمة معاناة الشعب الذي قدم ولم يبخل لحظة .. قال صاحبنا الوزير بالحرف الواحد كلوا الفتريته .. وما ضروري أن تأكلوا القمح !! فذهبنا لصاحب الفتريتة الذي بدوره لم يكن غافلاً من مشكلة الغلاء .. فوجدنا الفتريتة اليوم أغلى من القمح بمراحل .. وأية سلعة موجودة في رف من أرفف التجار زادت بفعل فاعل لدرجة المبالغة .. ومع ذلك ما زلنا عند السمع والطاعة .. ونتمنى من وزير الطاقة أن يأخذ قراراّ بدفن زجاجة بترول مع كل ميت في القبر لعل الميت يتنعم قليلاً ببترول وطنه ويتنفس السعداء .. ثم يبدأ في إجابة سؤال الملكين !!