عدلان بشير سعدابي يجمع بين الدهاء والشجاعة (2 ـ 3)22 / 07 / 2010 11:16:00
صحيفة الرائد
أ.د عبدالله عووضه حمور
في الحلقة الأولى وقف الحديث بنا عند قولنا (بعد هذا المدخل التاريخي الذي ما خرج عن الموضوع نأتي إلى مساق الحديث أعني موضوع العنوان (الجمع بين الدهاء والشجاعة):
الدهاء التصرف بذكاء لحسم الموضوع لصالح الداهية ودهاة العرب كثر. منهم بالجاهلية قيس ابن زهير العبسي. ومن أشهرهم في الجاهلية والإسلام المغيرة بن شعبة الذي قالوا عنه ما ظهر رأيان في الأمر إلا اختار أصوبهما. وعمرو بن العاص: من دهائه في يوم صفين عندما لاح النصر لسيدنا علي أشار إلى معاوية برفع المصاحف بالرماح. المعنى الدعوة إلى الاحتكام إلى كتاب الله. فرفض سيدنا علي لعلمه أنها مجرد مخادعه لكن لوبي المنافقين بقيادة الأشعث بن قيس أجبره على القبول. فقدم معاوية عمرو بن العاص مفاوضاً وقدم علي العباس عمه. ولكن اللوبي أجبره على قبول (أبو موسى الأشعري). واتفق الحكمان على خلع علي ومعاوية وترك الأمر إلى إجماع المسلمين قدم عمرو أبا موسى. فقال بعد تمهيد: وقد خلعت صاحبي كما أخلع سيفي هذا من غمده فقال عمرو وكان سيفه بيده مسلولاً: وأنا أثبت صاحبي كما أثبت سيفي هذا في جرابه. فقال أبو موسى له أنت (كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث) الآية 176 الأعراف. فقال عمرو: وأنت (كمثل الحمار يحمل أسفارا) الآية 5 الجمعة.
ومنهم معاوية بن أبي سفيان. سأل عمرو بن العاص ما بلغ بك الدهاء؟ قال: ما دخلت في معضلة إلا وجدت لها مخرجاً. ثم سأل معاوية: وأنت ما بلغ بك الدهاء؟ قال: ألا أقع في معضلة قط. وهذا أبلغ في الدهاء لبعده عن الغفلة بدءاً والأمثلة لدهاء عدلان بشير وشجاعته كثيرة أذكر منها ما أحفظ في نقاط:
(1) في عام 1952م أيام الاستعمار الإنجليزي المصري الحكم الثنائي بعبارة متداولة. رفعت ضريبة فدان الذرة من جنيهين إلى ثلاثة جنيهات بمشروع الغابة الزراعي فثار المزارعون وضربوا مدير الزراعة بالدامر سوطين. وبالمثل مساعده عتباني بمروي. فجريا نحو الباخرة المقلة لهما للاحتماء بها. حضرت الشرطة لأخذ الأقوال. شهد عدد من أهل الغابة بالضرب منهم موسى إدريس موسى. وعدلان بشير. ودونت الشرطة الأقوال بالمحضر. حضر القاضي ومعه العمدة وراجع أهل الغابة الموقف فلما سألهم القاضي أنكروا. فأدانهم القاضي بجريمة التستر. فلما دعي عدلان للإدلاء بشهادته. احتفوا به بالقول والفعل على طريقة الأمريكان ومن تأثر بهم إن أراد منك شيئاً فتل لك في الذروة والغارب كما كانت تقول العرب. المعنى مسح لك ظهرك بعبارة حديثة. بالقول بمناداته بـ/ يا عمي عدلان وبالفعل أحضروا له كرسياً رجاء أن يؤكد ما قال بمحضر البوليس فسأله القاضي: فقال أول ما قال: عن عمره 80 عاماً لأن القانون لا يجيز سجن أي شخص بلغ الثمانين. وقديماً قال الشاعر (إن الثمانين وقد بلغتها) (أحوجت سمعي إلى ترجمان). وأردف أن نظره يرى الشخص كالشخصين. قال هذا وذاك ليتفادى جريرة التستر كالسابقين. وقد كان ما أراد. سأله القاضي مرة أخرى. قولك هذا يخالف أقوالك بمحضر الشرطة؟! قال: هل قالوا لك إن عدلان يعرف يقرأ ويكتب؟!
كلامي يا هو ده. لا شأن بما كتبت الشرطة. يمكن كتبوه براهم. وبذا برأ أهل الغابة من أي اتهام. ونفسه من أي تستر ورغم هذا حكم القاضي على ثلاثين من أهلنا بالغابة بالسجن بمدة تتراوح من 9 أشهر إلى 27 شهراً. منهم عمنا الفكي عبد الله حاج إسماعيل 27 شهراً. وسلطان كيجاب كان سلطان كالرواة في التراث إذا حكى ذكريات السجن أو غيرها تحلق الناس حوله. وأصغوا كأنما على رؤوسهم الطير. أتذكر جيداً بوفاة الجد عدلان أخذ يحكي ذكرى من ذكريات السجن فلما فرغ منها طلبوا منه أن يحكي أخرى سموها له لا علاقة لها بالسجن. فاعتذر لوجودي بينهم. لما فيها من صراحة تحول دون رفع الكلفة. ليت لو كانت الإذاعة سجلت هذا في حلقات كما سجل الأبنودي قصة أبي زيد الهلالي والزناتي خليفة الشعبية من رواتها بصعيد مصر. وكان قد شاهدهم وهم يروونها بالموالد الدينية فطلب من وزير الثقافة أن يمده بمسجل فمده فكان ما كان من ثروة لا تقدر بثمن. لكن مشكلة السودانيين أنهم يحسدون أنفسهم أو يبيعون وطنهم بأبخس الأثمان. وإلا قل لي بربك ما معنى 73 حزباً و26 صحيفة سياسية في بلد لا يتجاوز عدد سكانه 35 مليوناً. بأي حال من الأحوال مقابل حزبان في أمريكا وثلاثة في إنجلترا؟! والتعداد لا يقل عن 250 مليوناً؟! مفارقات.
من طرائف ما يحكى عن الجد عدلان وسلطان. أن سلطان كان يميل إلى المبالغة لا الكذب حاشاه. حكى مرة أنه خاض البحر في أيام التحاريق من الغرب إلى الشرق والماء لم يبلغ ركبته المشمر عنها السروال خشية الابتلال. يشهد على ذلك عمي عدلان هذا. سئل العم عدلان فقال: كلامه صحيح. فسكت الجميع احتراماً لمكانة الجد. فلما خرج سألوا الجد عدلان: كيف تؤمن على قوله غير المعقول؟! قال عدلان: لقد أحسن الظن فيَّ دون الناس جميعاً. قلت نعم لئلا أحرج موقعه بالكذب. فأسكت الجميع. وكان درساً وعاه الناس إلى اليوم. وتفكهوا به.
(2) كان بينه وبين عمدة المنطقة عداء غير قابل للمداراة. كتب له العمدة أن يحضر يوم الخميس للمحكمة. سأل من قرأ له أمر الحضور لجهله التام بقراءة الخط سأل: أيوجد تاريخ ليوم الخميس؟ قال: لا. لم يذهب أول خميس. ذهب الخميس الثاني. سأله العمدة: لماذا لم تحضر الخميس الماضي؟! قال: خطابك يقول الخميس من غير تحديد لتاريخ الخميس. أليس اليوم يوم الخميس؟! فألزمه الحجة. ولم يزد.
(3) بسوق السبت للغابة كان يجلس أمام دكان عيسى طه. من تجار الدبة كان كغيره يراوح المجيء إلى سوق الغابة كل سبت. ولا سوق بالسبت بالمنطقة إلا الغابة على طولها وعرضها.. لماذا؟ ربما لأنه عطلة اليهود الأسبوعية التي لا عمل فيها البتة. فعكسوا هم الوضع فجعلوه يوم عمل. وفي العمل عمل عام معلن. وهذا أقرب الاحتمالات. لوجود مسيد حاج بلول لتحفيظ القرآن أكبر خلاوي المنطقة على الإطلاق. شاهد عدلان رأس أعيان المنطقة يبرم ركابته (هامش: الركابة عصا من الخيزران دائرة الرأس كالحجل) يبرمها ليعبر عن إثبات وجوده. أدرك هذا عدلان. فلما بلغ دكان عيسى طه ألقى التحية على عدلان. فرد التحية بمثلها. ثم سأله: الملك فاروق وين؟ ضحك رأس الأعيان ساخراً. ثم أردف: يا عمي عدلان أنت من زمن فاروق. الملك فاروق ما شاله عبد الناصر من سنة 1952م.
فقال عدلان: انتو كمان سوف تقعدون في الواطة (الأرض) واتضح لرأس الأعيان أن سؤال عدلان ما كان عن جهل ولكن للاستدراج فأفسد عليه معنويات برم عصاته. ومما يؤكد هذه الغاية أن عيسى طه قال لعدلان بعد ذهاب رأس الأعيان لشأنه: (والله لو سكَّرُوني أنا لا أستطيع أن أقول هذا الكلام). وهذا من أوضح الأمثلة لشجاعة عدلان بشير سعد المك
منقووووووووووووووووووول مع طلب السماح من الكاتب والصحيفة