تعد مدرسة الغابة الثانوية التجارية, من المؤسسات الرائدة في بلدنا الغابة و في الشمالية بصفة عامة , إذ خرجت المدرسة أعداداً غفيرة من أبناء الغابة و المناطق المجاورة و أصبحت مشعلاً من مشاعل التنوير في المنطقة.
تم إفتتاح مدرسة الغابة التجارية في يوليو من عام 1981م , في مبانيها الحالية و كانت تشغلها مدرسة الغابة العربية ( المدرسة المصرية ) من عام 1953م إلي عام 1973م, ثم شغلتها مدرسة بنات الغابة المتوسطة, إلي أن تم بناء مدرسة جديدة للبنات, هي مدرسة الحاج عبدالحفيظ الحالية, وتم تخصيص كامل مباني المدرسة المصرية, للمدرسة التجارية.
يعود الفضل في التصديق بهذه المدرسة, إلي السيد/ أحمد عبدالرحيم زبير كشكش و هو يعمل في إدارة التعليم الفني, برئاسة وزارة التربية و التعليم في الخرطوم. كانت وزارة التربية, قد صدقت بمدرستين ثانويتين تجاريتين للإقليم الشمالي , في إطار خطة التوسع في التعليم الفني وقتها و جاءت المدرستين من نصيب الغابة و القرير. كان الشرط الأساسي لإفتتاح المدرسة, هو توفر مباني جاهزة. نقل الأخ/ أحمد عبدالرحيم , هذا الخبر لأبناء الغابة في الخرطوم. و بعد أيام وصل هذا الخبر إلي البلد. عليه قام وفد من أهل البلد بالذهاب إلي دنقلا, حيث قابلوا مسئولي التعليم, لكنهم لم يحصلوا علي أي معلومة هناك. و بعد أيام تأكد خبر المدرسة و علم أهل دنقلا و الدبة بخبر هذه المدرسة, فتسابقت وفودهم إلي الخرطوم, طمعاً في المدرسة, مثلما حدث للمدرسة المصرية, في عام 1952م, إذ تنافس فيها أهل الغابة و الدبة و تنقسي. لكن صارت المدرسة من نصيب تنقسي. لكن أصر أهل الغابة علي التصديق بمدرسة مصرية في الغابة. و كان لهم ما أرادوا, إذ وعدتهم إدارة البعثة التعليمية العربية في السودان بمدرسة, بشرط أن يبني أهل الغابة فصلين. عمل أهل البلد علي بناء فصلين بالعون الذاتي. و في العام التالي, أي في عام 1953م , تم إفتتاح مدرسة الغابة العربية و نمت و تطورت إلي مدرسة, تضم المرحلتين الإعدادية و الثانوية.
قام وفد من أبناء الغابة في الخرطوم, بزيارة وكيل وزارة التربية و التعليم في الخرطوم و أفادوه أن الغابة مؤهلة لإستضافة هذه المدرسة , بفضل توفر مباني جاهزة و بفضل تجربتهم بإستضافة المدرسة المصرية لعشرين عام. عليه تم التصديق بالمدرسة فوراً. ثم زار الغابة وفد من التعليم الفني, بقيادة المرحوم/ محي الدين الفيل , وكيل التعليم الفني و أصبح وكيلاً لوزارة التربية و التعليم لاحقاً و إلي وفاته و هو من أبناء قنتي. و يرافقهم أحمد عبدالرحيم زبير و مستشار وزير التربية للتعليم الفني, و هو دكتور مصري, ثم مهندس الأشغال و آخرين. علق المستشار كعادة المصريين قائلاً : رايحين الغابة و معانا الفيل ! تم إستقبال هذا الوفد, إستقبالاً طيباً, عكس أصالة أهل الغابة و أكرموا وفادتهم و قضوا حوالي إسبوع في الغابة. زاروا مباني المدرسة ووجدوها تصلح كمدرسة تجارية. و إكراماً لأهل الغابة, صدق الوكيل بعشرة فرص إضافية , أي فوق المائة طالب , لأبناء الغابة الذين لا يجدون فرصة للقبول في الثانوي.
تم تكليف الأستاذ / إدريس خالد إدريس لإدارة المدرسة, فأبلي بلاءً حسناً. قامت المدرسة مكتملة البنيان و الأركان و لم تعاني من آلام التسنين, كما يقولون في مجال الإدارة, إذ توفر لها نخبة طيبة من المعلمين و الموظفين و العمال. كانت تأتي كل إحتياجات المدرسة من رئاسة الوزارة في الخرطوم مباشرة, إذ كانت تتبع للتعليم الفني, قبل أن تتبع لحكومة الإقليم الشمالي في دنقلا. هذا في تقديري أحد الأسباب التي أدت إلي تدني أداء المدرسة. إضافة إلي أسباب أخري, ناتجة من الظروف العامة التي تعيشها البلد.
كان بيتنا يعمل كغرفة عمليات لأكثر من سنتين, إذ كان أولياء أمور التلاميذ يفدون من مناطق بعيدة في منتصف النهار و في المساء و في آخر الليل , لمتابعة أمور أبنائهم. كان إدريس يعمل بجانب عمله كمدير, يعمل معلماً و عاملاً, يعالج خرطوش الموية و بابور الكهرباء و يقف مع عمال و عاملات المطبخ و خفيراً, يراقب التلاميذ المشاغبين في الداخلية و في السوق و معه المرحوم الطاهر حسن, إذ كانا يذهبان إلي المدرسة في العاشرة مساءً و يعودان في آخر الليل . و من المواقف المؤسفة, أن إدريس ذهب إلي المدرسة في المساء, كعادته ووجد خرطوش الموية محلولاً. خلع جلبابه و بدأ في ربط الخرطوش. و بدلاً من أن يقف معه تلاميذه و يعينوه في هذه المهمة, غدر به بعضهم, إذ ضربه واحد من الخلف و هرب و معه إثنين. طاردهم إدريس و هو يحمل عود الطورية و أوقف كل تلاميذ الداخلية أمامه و جلد التلاميذ الثلاثة. ثم جلدهم في صباح اليوم التالي و فصلهم نهائيا من المدرسةً. قابلني أحدهم في الرياض, منذ عشرة سنين و هو يعمل في الليموزين. ركبت معه و عرفني . تأسف لما بدر منهم و أنهم أضاعوا مستقبلهم. قلت له تستأهل, فأهلك لم يحسنوا تربيتك.
تعتبر مدرسة الغابة التجارية و معها مدرسة بنات الغابة الثانوية و المدرسة الثانوية للبنين, إمتداد للمدرسة المصرية, التي لعبت دوراً هاماً في تعليم و تثقيف أبناء الغابة و المناطق المجاورة. نأمل أن تتطور مؤسسات التعليم في غابتنا, في قابل الأيام, و حتي تتبوأ الغابة مكاناً عالياً في الشمالية و في السودان. و مزيد من الإنجاز.