إن ما سأقوله لكم هو حقيقة ما قاله يوسف تختلف الرواية وطريقة سردها ولكن المعنى هو هو
بعد أن مسك المايك حدّق في وجوه الحضور بنظرات تدل على انه سوف لا يقول خيرا ولم يصمت وبعد برهة قال تعلمون أنني قمت بزيارة لمعظم دول الوطن العربي
وتعرفت على معظمكم هناك وأنا والحمد لله مسلم بالميلاد لان والدي توفاه الله وهو مسلم والحمد لله ,تعلمنا منذ الصغر القرآن الكريم والسيرة النبوية وسيرة الصحابة وكنت توّاق أن أرى أحفاد الصاحبة في الوطن العربي لهذا السبب كانت تلك الزيارة ولكني وبكل صراحة لم أجدهم إلا في السودان ( هذه العبارة قالها أكثر من نفر من الذين زاروا السودان) وأردف قائلاًهذا الذي يجلس معنا الآن ( يقصدني أنا) هو يحمل اسم الخليفة ا لراشد الثالث ويحمل من صفاته إن لم تكن كلها فانه يحمل نسبة كبيرة منها وأقول لكم هو لو كان أسوأ إنسان في السودان فهو الآن أفضل الحضور بما فيهم أنا ... أدرج أسمه فقط لحفظ ماء الوجه .......ثم قال وأنا أُراهن على ذلك
(لم استطيع حبس الدموع ) تناولت منديل من علبة المناديل التي في الطاولة لمسح الدموع محاولا إخفاء مشاعري لان ثقافتنا تفرض علينا نحن معشر الرجال أن لا نبكي أمام الناس مهما كان الأمر كما أنني أُريد أن أكون أحسن منهم حتى لا اخيّب ظن يوسف
كان يخاطبهم بلهجة قاسية ونبرة مقتضبة ويصمت برهة يحدق فوق وجوهم ويبلع ريقه كأنه كان ينوي ان يبصق عليها ثم يغيّر رأيه .. واصل قائلا
وناقشت معكم قبل ذلك عدة مرات كيف تم استغلالي في بلدانكم منذ وصولي إلي المطار مرورا بسائق التاكسي وموظفي الفندق وحتى من بعض رجال الدولة ورجال الأعمال يقول ذلك والحضور كأنهم خُشُبٌ مسنّدة .. تخيلت لو أن من بين الحضور سوداني هل سوف يكون له نفس الموقف .. طبعا لا كان سوف يترك المطعم وينصرف
وهذا اضعف الأيمان .. إذاً هو على حق إن أسوأ سوداني أفضل من كل الحضور .. وبينما هو يواصل فى تبجيل أهل السودن وتوبيخ بقية الشعوب بطريقة مباشرة أو غير مباشرة , كنت أنا أقوم بعملية توازن نفسي حتى لا يحدث لي إرتباك فقلت في نفسي نعم أنا أحسن الحضور لأنهم رضوا أن يستمعوا لهذه المحاضرة التي تسيء إليهم وأفضل من يوسف لأنه يسيء لضيوفه بل وذهبت أبعد من ذلك فأنا أفضل من يعقوب لأنه احضر المايك بل حتى أفضل من فاطمة حتما هي مشتركة في هذه الطبخة لطالما هي طباخة المطعم وحتى لو هناك أشخاص خلف الكواليس فانا أفضل منهم لان لو فيهم خير لذكرهم يوسف أو لما ظلّوا خلف الكواليس حتى الآن
وأفضل من المتاوقين (بتوع المطعم)
حدث لي التوازن النفسي والآن أنا أشعر فعلا بأنني أفضل الحضور, وهذه حقيقة و يوسف لم يتكلم معهم بهذه اللهجة إلا بعد أن علم أن فيهم خلل
وهم لم يقبلوا هذه الإساءة إلا لعلمهم بان يوسف معه حق وأنهم هم الأضعف
وهو قالها بصراحة لم يجد المصداقية فيهم بدءً من المطار مرورا بصاحب التاكسي انتهاءً برجال الأعمال ورجال الدوله ..
هذا موقف وتذكرت موفق آخر عندما كنا في مكة المكرمة وكان معي شقيقي ابوبكر جاء لأداء العُمرة كنت أنا نائم في الحرم المكي مع ألاف المسلمين النائمون من شتى أنحاء العالم و بمختلف مستوياتهم و في تلك الساعة جاء احد من رجال شرطة الحرم ليوقظ النيام وحكى لي ابوبكر ان هذا الشرطي كان يوقظ الناس واحد تلو الآخر إما بالركل أو باستعمال يده بعنف وتارة برفع الصوت وهكذا ويقول أبوبكر وأنا أشاهد هذا المنظر كنت منتظر ردة فعلك عندما يوقظك هذا الشرطي بهذه الطريقة ...واصل ابوبكر حديثه قائلا ولكنه عندما جاء دورك انحنى هذا الشرطي وربت على كتفك بكل هدوء وهو يقول لوسمحت يازول لو سمحت .. حتى أيقظني... لماذا ؟
حتى في الشركات التي عملنا بها تجد صاحب العمل او المدير او أي مسئول يتعامل مع من يرأسهم بطريقة سالبة غير تلك الطريقة الايجابية التي يعامل بها السوداني
لماذا ؟
كم من الذين نعرفهم لهم مواقف مع أصحاب العمل والعاملين معهم حتى وصل بعضهم لترك الوظيفة وسط دهشة الآخرين .... لماذا؟
أنت الذي تقرأ هذا الموضوع الآن كم مرة تعاليت على من هم مصنّفون بأنهم أعلى منك مكانة .. لماذا؟
هل تستطيع أن تبتسم في وجه شخص وأنت زعلان منه؟
الاجابة لا وألف لا ... حتى الدبلوماسيين عندنا لا يفعلون ذلك
هل تعلم أن معظم الشعوب يمارسون هذه الرزيلة و بكل بساطة
استنتجت من هذه المواقف حقيقة مهمة وهي إن الإنسان السوداني اختار أن يكون صادقا ومتعاليا بدلا من أن يكون منافقا وخاضعا ( وكلمة التعالي هنا ليس المقصود بها التكبر ولكن هي عكس الخضوع)
إذاً صفة المصداقية والتعالي موجودة فعلا في دواخلنا ولك أن تجربها في نفسك نحن نملكها ولكننا قد لا نعرف قيمتها أو لانعيرها اهتماما لأننا نريد أن نكون أحسن من ذلك أو لان البعض يظن إن هذا شي طبيعي والمفروض أن تكون موجودة في كل البشر.ويقول آخرون إن هذا شي لا يأكل عيش في زمننا هذا وعلى كل حال هي وصفتنا السرية التي تميّزنا عن بعض الشعوب ,شئنا أم أبينا ,علمناها أو جهلناها ولكن يعيها الأعداء تماما ويسعون بكل ما لديهم لان نتخلى عنها ( وهي المصداقية والتعالي )لأنها تتعارض مع أهدافهم . وهم أي الأعداء يعلمون أننا لو صبرنا سوف نكون في مصافهم لأنهم وللأسف لهم هذه الصفة وبها سادوا العالم
واليوم الذي ترفع فيه أمريكا عنّا العقوبات ويرضى عنّا مجلس الأمن ويتسامح معنا الاتحاد الأوروبي ذلك اليوم هو يوم تخلينا عنها .. ..
بينما أنا في حديث النفس هذا .. لاحظت أن يوسف يمد لي المايك قائلا تفضل ( يطلب مني أن أتكلم) ولكني اعتذرت فأنا لا أجيد فن الخطابة رحم الله امرئ عرف قدر نفسه.. فقلت له ما أقدر أتكلم أنا ما شايف قدامي من الجوع قال يعني (مُهوّي)واستغربت لاستعماله لهذا المصطلح السوداني البحت
قال للحضور غداً عشاء عمل في فندق لاي لاي لانهاء بعض الإعمال المتعلقة
وأنفضّ الحضور وبقينا نحن الثلاثة هو ويعقوب وأنا أما فاطمة قال يعقوب أنها طلعت فوق للشقة ونامت ...ولكنى أعتقد أنها تتاوق من مكان ما.. ثم جاءوا بعشاء دسم تم طلبه مسبقا من مطعم آخر وقال يوسف كل وأنت مطمئن قلت له لاحظت انك تكلمت مع ضيوفك بطريقة غير مُطمئِنة بالنسبة لي
فقال لا تستغرب ان قلت لك أن كل هؤلاء منهم من له سوابق هنا في هذا البلد في جريمة تخِلّّ بالآداب والنظام العام ومنهم من أنا ضمنته لدى أحد الشركات أو تعهدت لجهة ما بشأنهم وأفضلهم هو الذي ياتي الينا في الشركة وهو مخمور ناهيك عن عدم الايفاء بالتزاماتهم المالية تجاهي وتجاه غيري
(قلت أنا سمعت أحدهم يتكلم بالهاتف النقّال ويقول انه في الامارات) قال يوسف, كلهم يقولون انهم في الامارات وانهم في مكة وانهم في جده وكل ذلك لزوجاتهم, وسألته عن ثلاثة من الشباب يجلسون وهم في عالم آخر سألته هل هولاء عرب فقال للاسف نعم عرب ومسلمون قلت سمعت احد الشيوخ يصف هذا الصنف من الشباب بانهم يمسحون رؤؤسهم كما يمسحون احذيتهم إذا اجتمعوا بالرجال تكسروا وإذا اجتمعوا بالنساء تأثروا , فقال يوسف هم كذلك.
... كنا نتناول طعام العشاء وهو يحكي لي قصة رحلته إلي السودان وبطل القصة إسماعيل سائق التاكسي وصديقه اسعد وإبراهيم و حاجة فاطمة وحاجة زهرة وغيرهم .. فقلت له بالله عليك لازم بكره تحكي القصة دي للجماعة في الفندق فقال هم يعرفون انني مكثت في العاصمة المثلثة ثلاثة أسابيع بدلا من ثلاثة أيام ويعرفون بعض المواقف ولكن لا يعرفون التفاصيل
فقلت له إذاً لاداعي فمثل هؤلاء القوم لايُنقِِِِِِِِِِصون من قدرنا شيئ ولايزيدونه
أما بالنسة لكم انتم يا جماعة المنتدى انا سوف اقول لكم من هو إسماعيل بطل هذه القصة وكيف ولماذا قضى يوسف ثلاثة أسابيع بدلا عن ثلاثة ايام وماذا حدث له في تلك الفترة