الحســـن ود زينب ( الفصل الثامن )
يساقط رطب ود لقاى بعضه سالما بفعل وزن طائر ام قيردون وبعضه تحت ضربات منقاره الاســود على السرير الذى غادره العبيد.
هل يجد ام قيردون المتعه التى تجدها ( آمنه جيد ) و(بنونه ) و(زينب الفضل ) عندما يحتسين القهوه برطب ودلقاى فى جلسة إجترار الذكريات ... أم اكثر ! يراقب أم قيردون قافزا من سعفه لسبيطه وبالعكس ... يطير بضع أمتار مبتعدا ثم يعود لذات المكان ... حركات غير مبرره فى نظر النور... لم لا يستقر هذا الطائر حتى يكتفى ..؟! ما جدوى هذا القفز .. هل تغيير زاوية الرؤيا تمكنه من حسن اختيار الموضع الذى يدس فيه منقاره الاسود ؟! أســئله كثيره تجتاح ثنايا عقله تحت هذه الشجره لكنها لا ترهقه .. الآن أسئله أقل تعيد تشكيل عقله وروحه ورؤيته للحياة تحور قناعاته تصبغها بمفاهيم غير مسبوقه فى العلاقات الزوجيه والاسريه !!.
قبل أن يعجز عن التقاط صوت محرك سيارة السنجك المتجه جنوبا سؤال خطير تشكلت أركانه ود لو ألقمه حاج العبيد ... ( ما الذى كســـبه الحسن من سمو ورفعة مكانة أمه فى نظر العبيد ..؟! )
مكانه إن لم تفيده لا ينبغى أن تضره .. إن لم تسعده لا تشقيه إن لم تبجله لا تذله ..بل ما الذى كسبته زينب نفسـها من رفعه لم تعلم حتى الآن أنها تبوأتها فى عقل وروح العبيد كما يدعى ...؟!
مكانه ينبغى أن تنهل من نبعها المن والســـلوى لا المِر والحنظـــــل .. مكانه تكحل عينيها سـنا لا تسلبها الوسن .. تسكنها قصرا لا ترهقها عُسرا تلبسها تاجا فتشـمخ برأسها بين زميلاتها كثمن عادل لما تسكبه من روح نبيله لا تكسر خاطرها وتسلب روحها عشم بلا جريره فى حياه عاديه عاشتها حتى من يحتقرهن او لا يقدسهن العبيد؟!
الزوجه الثانيه احق بلقب الضره أم اب سمح بسلوك ضار بالمجتمع قبل أن يضر بالزوجه الاولى ؟! يضر بقُصر تحت رعايته ومسئوليته قبل أن يضر بالطرف المستهدف وإن كان يستحق !.
أم تجتهد لكسب اصدقاء ورفاق صالحين لأبنائها بينما توغر صدورهم على اخوتهم وهم أولى وأأمن لرفقه تدعى أنها تطلبها لهم . فتحرم صغارها خيرا كبير لتسجيل إنتصارات فى معركة متوهمه مع الزوجه الاولى التى إن تغير ترتيبها فى هذه العلاقه لمارست نفس الغباء ... ذلك يتم تحت سمع وبصر رجل لا يملك من الرجوله إلا اسما مذكرا إكتسبه إلتباسا لأن الغيب محجوب عنا ...! أســوء صور الانانيه إشباع ألأب حاجاته التى يمكن اشباعها دون سرقة رصيد لا يملكه وهو حق ابنائه فى حياه سويه هانئه سعيده ... لماذا يرتزق ويستجدى الاب متعه لحظيه بإفساد وإفقار عقل و روح إبنائه طول العمر ... ؟! لماذا يستجدى حقوق له اصلا بحقوق للغير يفترض أن يموت ولا تنتهك ! . فالانجاب يعنى إختيار التضحيه بمحض الاراده ونكران الذات مسبقا وبوعى والتزام اخلاقى يضيف الكثير من المسئوليه للإلتزام الفطرى الذى يلزم الوالدين ببذل الرعايه ألأولى حتى على حساب انفسهم لمن كانوا سببا فى دفعهم لمعركة الحياه.
تُف ... حياه زاخرة بمرارت تفسد المَنَ والسلوى و الحليب والماء الزُلال عندما تأكل الاسره أبنائها ... لم يتمكن حاج النور من فهم هذه المعادلات الاسريه ... شقاء وتعاسه لقلوب لاتسكب إلا الوفاء والايثار وكل ضرب من ضروب الخير فلاتكسب إلا غدرا وتآمرا وكل ضرب من ضروب الشر ..!
لسعات الشمس مست قدميه فنهض يجر خلفه هــموما جــديده حسبها ذالت ... وضع الابريق عند مدخل الصاله واختفى داخلها فى إنتظار رســــل جديده لهموم جديده تؤجل سفره الى عطبره لحسم العـــديد من الامور منها واجب زيارة وتفقد أسرة صديقه ورفيقه فى سنوات الخدمه بالسكه حديد ... المرحوم ( خوجلى سراج النعيم ) الذى قتل غدرا وزملائه فى مدينة توريت قُبــيل ميلاد ابنه خوجلى بمدينة عطبره ...
عندما دخل العبيد السوق للمره الثانيه فى الواحده ظهرا كان عبدالله مكاوى قام بمسح وحصر وتقييم لكافة أنعام حاج العبيد فجلسا سويا بقهوة الناير مره اخرى واتفقا على القيمه النهائيه على أن يسحب العبيد ثلاث نعجات وثلاث حملان اليوم حتى يتصرف عبدالله فى البقيه اما البقرات فقد أرسل من يحولهن الى حواشته ....
يعتقد العبيد أنه يحسب خطواته بدقه فهذا اليوم كان موفقا .. كباشى غادر بلا رجعه .. بث ما كتمه فأرهقه وأرقه كما يدعى ستة عشر سنه لحاج النور . تخلص بمعاونة عبدالله مكاوى من عبء لم يعد هناك من يحمله . خطوات فى طريق إصــــــــلاح مسارات المستقبل وفصلها تماما عن الماضى ... لكن هل المساواه الآن عداله !؟ وماذا عن ستة عشر سنه هل تجبرها كنوز الدنيا ؟! هل هناك ما يعادل احساس طفل عندما يضربه ابوه وهو يتشبث به مندسا بين جنبيه رغم ذلك الضرب الاتى من عينى ولسان ويدى ابيه ؟؟! يحس الطفل بالالم المنصب على جسده ولكن روحه وقلبه يحدثانه انه لا مكان اكثر امنا فى الدنيا إلا بين هاتين اليدين اللتان تنهالان عليه ضربا ..الثقه فى أمان روحى آجل مستمر ينسيه الما جسديا عاجلا الى زوال ؟؟ طفل خاوى المعده مستظل بروح والديه أقوى واسلم واسعد من متخمها فى لظى ورمضاء الفقد العظيم .. أبيات من الشعر محفوره فى الذاكره تبارى فيها طلاب الاعداديه المصريه بالغابه من بينهم العبيد تحت اشراف استاذ اللغه العربيه سيد المصرى وحاز العبيد المرتبه الثانيه فى نثر معنى الابيات وكان النصين الاول والثانى يرصدان بكافة الجرائد الحائطيه لسنوات حتى حفظهما اغلب الطلبه ولم يتمثل المعنى احدهم فى حياته العمليه .!! صمت حاج العبيد فجأه وهو يقرأ الأبيات معلقه بخط يدوى جميل على جدار قهوة الناير لم يقرئها من قبل فى ذات المكان ...
لــيس اليتيم من انتهى أبــواه *** مِن همِّ الحياةِ وخلّفــاه ذليلاً
فأصاب بالدنيا الحكيمةِ منهما *** وبحسن تربيةِ الزمان بديـلاً
إن اليتيمَ هو الـــذي تلقى لـه *** أمًّا تخـــلّت، أو أبًا مشـــغولاً
حاج العبيد يدرك تماما أنه أخطأ وظلم وحابا وأهمل.. لكنه عازم بقوه لاصلاح ما افسده الدهر ..! فهل سبق السيف العزل ؟!
بعد عودتهم من سيـاحه قصيره لأهم معالم الغابه مسجد حاج بلول والبياره ودنقلا العجوز وصالحين الشرق منهم الشيخ سوار الدهب ومالك الطويل وأخرين عبروا بكبرى المناصره حتى بلغوا أشجار المسكيت التى كانت تلوح صباحا للعبيد فى حواره مع الذات المتصوفه ثم استدار دليلهم حول قوز رملى حُفرت تفاصيله المتغيره فى ذاكرة الحسن كأطلس ديناميكى الخطوط .. فكانت فى إنتظارهم الطاعم وحسونه وزوجة الشازلى والشول يرفعون لهم عبوات انيقه من الطعام للطريق بينما قفزت ســلمى عوض النور مهرولة للداخل تبحث عن امها زينب والتى كانت تراها بروحها الشفافه قادمة اليها من خلال الجدران المتتابعه وعندما تخطت سـلمى عتبة الغرفه كان مابين زراعى زينب المبسوطتان وصدرها أروع مكان فى الدنيا وبقيه العمر يمكن ان تغفو فيه أجفان ســلمى ... وعندما دخلت الشول تخبرها بان العربه تهم بالسفر تشبثت اكثر ثم قبلتها بعنف وهرولت دون ان تنظر للشول فقد كانت عينيها فى إرتواء يثمر أضعاف اضعاف ما بالغابه من خضره واستلقت زينب على وجهها لذات الدوافع التى انتابتها عندما احضر لها والدها خطاب الحسن ..
عرجت السيارتان على القسم لوداع المقدم عوض النور وأصطحاب من تخلفوا عن الرحله القصيره طمعا فى اجترار الذكريات والتنوير بمستجدات الحى والاهل بالخرطوم .. إنطلقوا عبر سوق الغابه يلوحون بالوداع ويلوح لهم السوق بالعوده قريبا .اعترضهم خوجلى والتيمان حمزه وعباس عند نهايه السوق وقاموا برفع عدد من جوالات البرتقال والبلح وثلاثه خرفان هديه جدو الشازلى من البكس الى العربة نصف النقل وتوارو يحملون معهم من الامتنان والفرح قدرا لولا أن له أجنحه لعجزت تلك المتحركات ذات الدفع الرباعى عن الحركه و مقدار ما تركوا من الحبور والنشــوة فى صدر واحد مازال منكفأ على وجهه تزيل كل هم ســابق او لاحق قد يحلق فى سماء هذه الاسره وسوف يشد النور الرحيل الى عطبره وهو يغنى ويلوح بيديه كما كان قبل ثلاثين عاما ...
العصافير العائده لاوكارها تزحم الفضاء بحوارات كأنها لم تتبادل الحديث طوال اليوم . من يسمع..؟! الكل يغرد وبصوت عال.!! لكن ذلك لم يمنع تتابع دخول عدد من المنفضين عن صلاة المغرب لدار العبيد بعضهم يعوده لاول مره وبعضهم اعتاد تناول شاى المغرب معه وكان أخرهم طه المساعد الذى ترجل من حماره وانحنى قليلا رغم ان الباب يسمح له بالدخول معتدلا لكنه الشك الذى يلازمه كلما عبر باب ما فى ارتفاعاتها غير القياسيه .. كما تتمدد مكونات الاذن الاسطى للغير عندما تعبرها طبقات صوته لتسمح لها بالعبور عند التحيه ... او السمر
لم يستعجل طه سبب الاستدعاء فقد كانت بينه وبين العبيد امور كثيره إنتظر حتى لم يعد بينه والعبيد من يمكن ان يشارك فى الحديث فجذب كرسيه مقتربا من العبيد قائلا :
- إنشاالله خير ...
= خيرين واكثر ثم التفت مشيرا الى غرفة الحسن أنا عايز الغرفة دى بكره ما موجوده ونص مساحة الحوش دا بره الحوش من الناحيه الجنوبيه ... عايزك تعمل لى خريطه زى بيوت الخرطوم بيت كامل فخم صالون وملحقاته غرفة نوم وملجقاتها و بير سايفون سراميك حمامات وضايات ابواب وشبابيك حديثه عايز صرايه عشرين سنه مافى زول يعمل زيها هنا جيب مهندسين عمال من الخرطوم كلف الشغل ودى فرصتك انت المقاول وصاحب البيت أنا مافاضى عندى امور كتيره بدور اعمله .. قلت شــنو ..!
- والله كلو عمار خير لكن الغرفة دى ماتكسره خلها تبقى مخزن تبقى اى حاجه ... والبيت الوصفته دا احسن تبنيه لا بره فى ارض ثابته بدل ما يندفن تانى فى الرمال دى نشوف ليك قطعه جنب المحكمه او السوق بتوفر فى التكلفه ويكون وجيه وتبان محاسنوا طبعا لو ماكان فى مانع ...
= والله كلامك زين وكلام عقل بس الغرفه دى ماعايزه ممكن تبنيها تانى بالطوب وما يكون بينها والحوش ممر يعنى تلمها على الركن وتخليها حاجه وجيه تب ..
- خير يا حاج نبد من بكره فى الغرفه ونشوف القطعه ولمن نتوفق ونعمل الخرطه ربنا يسهل الباقى ...
يتسابق التيمان وهما يصارعان طبقة الرمل التى تشدهما الى الخلف حتى ارتميا على حجر العبيد فمسح طه على راسيهما وغادر المكان ... وهو ينظر الى غرفة الحسن لتقدير عدد العمال وتكلفة الازاله واعادة البناء ...
صبــاح الثلاثاء يبحث معــلن قســم الـــدبه عن بيت الشــيخ (عثمان عجيب ) و يحمل تكليف بالحضور للتحرى فى بلاغ فتح بامر رئيس القسم بناء على شكوى من المدعو خالد حسن حسين الفيل .
- الشيخ يسـأل المعلن يطلع منو دا كمان .. ما بعرف زول بالاسم دا فى البلد كلها مافى خالد حسن حسين الفيل .. اللهم اجعلو خير لا حولا ولا قوه إلا بالله وشاكينى فى شنو ؟؟
= الشكوى طبعا مابتكتب فى الاعلان بالحضور لكن انا عرفته انو إتهمك بالتهديد ومصادرة عقارات ومنقولات تخصه فى سوق الغابه
- اكيد فى حاجه غلط فى الموضوع لكن هات القلم نوقعلك .. اتفضل افطر معانا ..
= شكرا ياحاج العربيه راجينها فى القسم مع السلامه ..؟
حمل الشيخ الورقه بعض الافطار وذهب الى دار العبيد وكان معه عتمان السيد و مبارك ود الجيلى يشربون القهوه وعندما قرأ العبيد تكليف الحضور قال للشيخ كيف مابتعرف الاسم ياحاج ( خالد ) توهتك لكن الفيل ما بتوريك حسن حسين الفيل ... المرق من سجن الدبه قبل عشرة سنه وبعد عشرة سنه سجن بى شهادتك ياحاج ...
-لا إلاله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله يعنى خالد ولدو بس لكن تهديد شنو ومصادرة شنو وانا المخلوق دا شفتو وين ...؟
مبارك ود الجيلى يفكر ويحرك يديه مبديا الرغبه فى الحديث ..
العبيد ينظر اليه .. عايز تقول حاجه يامبارك ..
=- والله إن ما اخاف الكضب خالد ياهو كباشى ود الكحيل ..!
أنا من أمبارح بفكر فى كلمة قال لى عتمان الصباح فى السوق قبل العبيد ما يجى قاليهو ( الشيخ بتكلم معاى كدى قايلنى غريب أنا صُرتى مدفونه فى البلد دى فى حلة السيد ...)