زينب أم الحســــن -12
أنيقه في وقار تقرأ( زيـنب ) كلمه تسكن قلوبا مـُنصِتـَه في أسـى..
أنيقه مخطوطـه تتسلل من مظروف فـُض ســابقا بعنايه تستقر بين أصابع حاج العبيد ... فجأه نسي الرعايه والحنان وأعادها الى جيبه في عجل .. بينما فلت المظروف وإستقر علي حِجرِه عندما دخلت الســاره تحمل صينية العشاء وتتطلع بعين خفيه .. إلتقطت كلمة ( والدي العزيز..) فحركت مشاعر تـُحرك الجوارح في الظلام والوحده أو برفقة الشيطان ... خرجت مسرعة لإحضار ابريق يصر احد التيمان علي جلبه رغم المعاناه فتركته واحضرت الماء البارد وهى تحرك لسانها بكلمات دعم وتشجيع للتوم لتخطى مدخل الباب بحمولته الذائده :- ( أسرع ياخزين أمو وضراع ِ أبوك غسل لى ابوك شــان تتعشى معاهو ...) .
عينيها كبعشوم تتحركان فى حذر إلا أنهما لا تـُخيفان أحد تجتهدان ليس بحثا عن مصدر(التركين) بل روائح ذكيه مصدرها بر أبن بأبيه لا تزكم إلا غشيم ... المظروف إختفى .. ثم إختفى طبقى الفول والفطير بالحليب دون الحاجة لمقبلات إعتاد أن يسـأل عنها ( بصل , كرقان , ...) ودون أستمتاع او إحساس بالجوع قبلهما او الشبع بعدهما .. فروحيهما فى مكانين خارج الغرفه . الساره روحها معلقة بمصدر ومحتوى المظروف وما يجرى بالمدرسه .. تريد حضورا لا يراه احد! فهي لا تعترف بالدوافع التي حركت الإجماع وإن كان والدها الشيخ يرعى ويبارك ... تفكر وتبحث عن ما يدعو للشماته دون أن تضطر للحضور العلني الذي فيه إعترافا صريحا بفكرة التكريم الخبيثه .
رساله تـُبعثر حاج العبيد ( كدقيق يوم ريح نثروه ) ... لكنه يستمتع بحاله صوفيه غريبه بين غيبوبه وحضور... يستدعيها عمدا متطلعا لسطورها فتسلبه الكثير وتغرس فيه الأكثر .!
أربعة أيام يتعمد الانفراد جسديا في زوايا لم يراها من قبل رغم أنها داخل حواشته وزوايا داخل روحه وعقله لم يدرى أنها موجوده أو هي جزءا منه . يبتسم ويحدث نفسه : - ( للأبناء إستكشافات و إشراقات ثره تمس أرواحنا وأبداننا لا ينبغي أن نجحدهم إياها ...)
حفظ الرساله ...... فلم يعد بحاجه إليها ليجتر ما بها من خضره ونعمه أو محروقات ونغمه يستشعرها في جوف الحروف ... لكنه يستأنس بها فيدور حول نفسه مُنذرا مُعزيا تارة و مبشرا أخرى ... تسللت الرساله من جيب السليك الى جيب حاج العبيد داخل قهوة الناير بالأثنين ... ثلاث أيام بعد عقد قران ( زينب والمقدم عوض النور ) . قرأها المرة الاولى فكاد أن يفقدها وهى تسقط من يده لتسندها الريح حشائش نال وسنمكه تغطى الجدول الرئيس الداخل للحواشة ...]
لم يصدق ... عيناه تتمسحان بالسطور وعقله يحلل ويستنتج من حروفها الكثير .
قرينه يسأل ويجيب والعبيد يرصد فى صمت :-
( كل هذا في جوف الحَسن !!؟؟ )
( كيف نما هذا الحُسن والبهاء ونضج داخل الكهف الكئيب ...؟!
( عقل ووجدان أبنائنا يتجاوزنا أحيانا ونستمر فى التعامل معهم كأطفال لمجرد أننا رأيناهم صغارا..! فنصر على أنهم رضع إلى الابد رغم ورغم...
( لا حوار .. فقط حديث جبان فظ غليظ يفتقر للذوق والكياسه والرحمه .
( لا حوار.. فقط اوامر.. الجُهال عليهم السمع والطاعه الى الابد ..؟![]
( متى نفهم أن الحوار لا يتطاول على مقامات الابوه ولا يبخس الــبر بل ينسجم ويتطابق وحتمية التطور وتراكم المعرفه والخبره أبا عن جد , جيلا عن جيل ..[/font]
( لا يحاور إلا من يثق فى نفسه ولديه ما يقول لمن يحب فعلا لا إفتراضا
( هل عاش الحسن جيله أم للحرمان خصومات تضعف الروح والبدن أو إشراقات تجُب قهر الخصومات ...؟!
( هل كانت ( زينب ) تعوضه سرا وتغرس فيه جرعات مهوله من الفكر والايمان والمسئوليه وما أهملته أنا ... لِمَ لم تـُنفِق عليه ماديا لتعوضه إهمالى سهوا كان ام عمدا.... ؟!
( هل أضِعـتُ للحسن فرص أكثر ومقام أرفع في التفوق إن عاش بين والديه ونال ما يستحق و يجب من الحب والرعايه والرفقه والنفقه ...؟!
( هل اليتم وكنف الضره والظلم والوحده والاهمال أحيانا رحمة ومنابع خير وحكم خفيه .؟!
إستنفار روحى أقصى ومتصل لجوارح حاج العبيد الذي تغير كثيرا ... يدخل ســاهما يخرج سـاهما ... لم يعد يطلب الطعام أو الشاى فور حضوره .. ولا يسأل عنه إن لم يأتى ... بل أحيانا لا يعرف تناول غدائه أم لا حتى يوضع أمامه ؟!!.
ليلا يغمض عينيه بينما الساره تراقب معركة عنيفه تدور داخل جسد ساكن منكفئ على الحائط واصابع يده التى يتوسدها او تلك التى يغطى بها رأسه تتحرك باشارات متقطعه تفضح أنه يقظ رغم عدم الإستجابه لصراخ وشجار التيمان من حوله وفوقه او محاولاتها الخجوله لإقتحام هجعته المدعاه ...
]تخشى أن ينسى وجودها أيضا رغم جهود جباره مبذوله ووصايا أم أقرب الى العدو.... !!.
يستحضر فقرات من الرساله ليس نسيا للباقى ... لكنه شيخ هرم يصعد درجه او إثنتين ثم يتوقف ليلتقط أنفاسه ...
( والدى العزيز .. متعك الله بالصحة والعافيه والايمان روحا وبدنا ...آمين )
لا يذكر حاج العبيد احدا دعا له بهذا الصدق أو دعا هو لاحد ... يحدث نفسه بشائر إستجابه الدعاء كثرة دموعه التى تنحدر كلما ....]
( والدي العزيز .. أنت عني راض و سامحتني .... اُحس برضاك قويا فتيا يتقدمنى فى كل خطوة يزلل الصعاب يفتح الابواب يحسن ختام سعيي فى الذهاب او الاياب .)]
( والدي العزيز... سلامى وحبي الى أمى العزيزه ( أم التيمان ) أطلب عفوها ورضاها .. أرهقتها بخدمتى عشر سنين لم تنسى أو تتناسى غدائى او عشائى رغم مشغولياتها باخوانى وأحبائي التيمان والصغير الذى ...!
أبي .... والله ما ذقت حلو إلا تمنيت أنهما بجواري القمهما منه بيدي ... وما وسدت رأسي إلا تمنيت كل منهما يتوسد عضدي وننام سويا علي عنقريبى الحبيب ... أبى ... أعاهدك أن أرعى أخوانى كأفضل ما يرعى الاب الحنون أبنائه او الابن البار أمه و أبيه ... )
يجتر حاج العبيد زكريات أسرار طويله مريره تسكب الدموع بداخله فيطفو قلبه على بركه من الأســى ...
كيف فكر بالطلاق والحسن فى رحم الغيب ..؟!
ماذا لو كانت بنتا ..؟! هل من ألآباء من هو عدو لكم ..؟!
لم يعش حاج العبيد كزملائه وأقرانه عظمة الفرح بالمولود الاول ... بل لم يكن حريصا على رؤيته لولا حملته اليه الطاعم صباح اليوم التالى وهى تعنفه قائلة : ( القسوة دى كلها من وين ... لاتطلب تشوفو ولا تدخل على أمو تقول ليها حمد لله على السلامه .. إنت واعى يا العبيد ؟!) . عبارات عمرها يقترب من العقدين .... نسيتها الطاعم ولكنه يسمعها كل يوم ... وكأن الزمن الذى يُبلي كل شئ عجز عنها ...!
ذنب الحســن أمه أفضل مما ينبغى ...!
زوجه لا تدع زوجها يطلب ...
زوجه لا تدع زوجها يستاء ...
زوجه لاتخدم بيتها بمضض كبعض النساء ...
زوجه تكنـُس وهى ملكه لا يُسقط تاج هيبتها ألإنحناء ...
ولا تتعفر روحها بغبار ...
ولا يـُفسد عطرها عرق ..!
زوجه يقهر نبلها النزعه الذكوريه لإثبات الرجوله والاستعلاء بالخشونه والقسوه العمياء الجاهله لاثبات ما لايحتاج لاثبات ...!
يقف العبيد بشبابه أمامها تـُقاتل رجولته بشراسه وتـكبح ما يوشك أن يفلت منه من الشكر والاستحسان الذي تستحقه ... يغمضها ما تستحق لأنها خزلته عندما إكتشف أنها أفضل من الجميع !!! ... ثم يهرول الى حيث لا يدري ....فقط بعيدا عنها ...!
زينب إنسان عاهدت نفســـها فطرة أن :
يكون جوفها أخصب من جرفها ..
ســـرها أنبل وأطهر من جهـرها ..
يومها خير من أمســها ..
غــدها خير من يومــها ..
أخيها أحب من نفســها..
لا نشازا فى الكون بل روح الصوره وعبقها ..!
لا يكون العصفور والزهر.. ولا الغدير والقمر .. ولا النسيم والحجر أكثر وفاءا و إخلاصا منها للحياة والاحــبة والوطن ...!
زينب إنسان شــقى لن يجدها من تبحث عنه ...؟!
( والدي العزيز.. سلامى وأمتناني للعزيز جدي شيخ ( عثمان عجيب ) فهو زُخرا ودعما للجميع لايبخل ولا يضمر إلا الخير والحب . حريصا يهنئني بالنجاح كل عام يسألنى العهد أن لا أتراجع فقط اتقدم . .. يحب العلم .. أكرمنى الله به .. اناديه ( جدي الثالث) له منى عظيم الحب والوفاء بالعهد .!)]
( والدى العزيز .. غرفتى ! غرفتي ! لا يمسها أحد.. بضعة مني وأنا بضعة منها...أعز من قصر منيف ستائره حرير يداعبها النسيم وجدره تزينها الفسيفساء وسرر ومفارش من الريش والديباج .. والدى العزيز فيها ســامرتُ خيرة الرفـاق .. صحابه وتابعين وسلف صالح وقادة البشريه ... مئات السير العطره ضمخت روحي وجسدي داخل تلك الغرفه الحبيبه فعبقها لا يزال يقبل جُدرها وسقفها يتلى على ( الواوير ) ويعانق ( الانديق ).
محراب فيه أعتكف وأغمض عينى يوما ما للابد ... تحت سقفها الجريد وجدارها القرميد أنفقتُ فيها من عمري كثير ... أطوق بيمينى الانديق وتعبث شمالى بما يتدلى من حبال العشميق وبصرى يطارد مسارات ومتاهات غريبه رسمت على باب الصند ... ممرات كم نسجت فيها من الحكايات فقد كانت رفيقي وسميرى لها من الوفاء نصيب !... أبــي .. ليوصد ما تبقى من الباب برفق سوف أفتحه يوما ما برفق اكثر ...( الباب العزيز جفنا لمقله لم تغمض يوما ولم ترى غير الحسن ..!!)
رتبت مطبخها وعادت ..فأصلحت جسد التوم الذي نام علي ظهر ابيه الي سرير آخر ثم أطفأت النور وجلست فى إنتظار عودة روح تخشى أن تطول !! هل من سبيل الى الخطاب ثم تعيده ...؟!
كل شئ تغير وتحير ... عليها أن تجتر سيرة وذكرى ليالى قد لا تعود ...! قبل أن تتلو ( زينب ) كلمتها تستأذنها المعلمه مره أخرى وتحى وتشكر إبن الغابه البار ( عبدالله كيرى ) الذى يدخل الى المدرسه ويحيها بعصاته وإبتســامته الغنيه فتنحنى له طويلا حتى يجلس وترتاح الاكف التى تجتهد فى الاستقبال والتحيه .