لبيك عثمان الشيخ : الحسن ود زينب – 14
هل للروح خلايا كما للجســــد ...؟!!
زينب ... فيض دافق من مشــاعر إنفجرت في اعماق خلايا بعيده ... أهي للروح أم للجسد لا يهم , لكنها ينابيع متدفقه تتجمع كسونامي يغرق منافذ الاحساس الخمسه التي فشلت في إستيعاب كم هائل في ثواني دون ترتيب او تمهيد مسبق فغاصت وغرقت فى أنهار اللاوعي..!
هرع نحوها الحسن وسلمى وسمير اجلسوها على المقعد المجاور لباب الصاله حيث كانت تقف وخلفها الشول ....
تحدق في الحسن ولا تراه .... نهران ينحدران على خديها يجرفان شريط ذكريات طــوله 16 عاما إستعرضتها بالثانيه في ثواني لم تغــــفل إحداها ... إختفى رأسها بيــن زراعي سلمى النور وصدرها بينما الحسن جاثي علي ركبتيه ورأسه على حجرها يقبل كفها اليمني ...
الشول تقف حائره تهمس في سرها ( أبوي النور خالتو الطاعم إنتو وين ..؟!) تبكي ولا من يسمع نحيبها أو يراها ...
عندما رفعت زينب كفها اليسري ووضعتها على رأس الحسن تنهدت الغرفة وزفرت فأجلس سمير الشول علي كرسى مجاور وهرع الى والده عوض النور الذي لم يحضر وقال لإبنه : ( ح تكون بخير فقط إتكلم أنت وقدم ليهم المويه واستغفر بصوت عالي ... )
تتوقع زينب أن يكون خلف ذلك الباب أى شئ جميل ولكن ليس فى حُســن الحسن ..!
منذ أن غادرت الغابه قبل أربع ســاعات تقريبا وهي لا تفكر إلا فيه لكن كيف تلتقيه ؟. تدرك حساسية الموضوع وضرورة عدم تكدير مشاعر عوض النور وهي مازالت تتلمس الدروب في فضاءاته وشخصيته التى مازالت غامضه كما تحرص أكثر أن لا تجلب للحسن مقتا جديد ليس في حسبانه ولم يتسبب فيه ولا يستحقه ... !
معادله صعبه بها مجاهيل عديده وإحتمالات حلول أكثر .. لكن ليس من الضروري أن تكون كل الحلول مرضيا عنها فقط المحصلة ينبغى أن لا تـُحزن الحسن أوتشقيه ...؟. هكذا تفكر وترهق ذاتها من جديد وتهمس لنفسها فتلك هموم لا تهم أحد غيرها ( أللهم أســعد الحسن وأحفظه مما يؤذيه وإن كان حبي له .! )
دموع لم تجف ... المآقي مازالت مترعه فبعض المودعين عجزوا عن الانصراف وطائر أم قيردون يراقب ويسأل ماذا أصاب دار النور ... ولون الجدار الابيض الذي كان يعكس الشمس اصابته بقع ...
مباشرة بعد إنحراف العربه نحو سوق الغابه .. وتختفي سعيده ففي قلبها الاعزاء ...( زينب والشول ) . خرج كل من حاج النور وخوجلي.. لا أحد يعرف أين ذهبا ... فقط بعيدا عن الدار ... وعن الحزن الكبير..؟! ألم يكن فرحا ؟؟ ألم يتبادل الجميع التهانى والتبريكات ؟! هل يمكن للانســان أحيانا أن يســعد بأحزانه !!!
ترجلت زينب عن العربه فى الخرطوم بري شارع المعرض ... فتح لها عوض النور الباب الخارجي وأشار الي باب الصاله قائلا :
- مبروك إنت في دارك مرحب بيك وأتفضلى باب الصاله فاتح ..
وعاد الى السياره لإنزال الاغراض ... تبعتها اختها الشول التى إقترح عوض النور حضورها فمازالت المدارس في إجازة ...
صباح ليلة التكريم طلب المقدم من عتمان احضار عنوان واضح للحسن فى الخرطوم فالحديث عن معاملة الضرة لابناء الزوج إستفزت فيه سواكن ومحظورات كثيره وحركتها وشكلت له رؤيه واضحة عن مسارات العلاقة بين زينب وسلمى وأخويها مســـتقبلا .. إنهم اخوه لأم لكنها نفس المعادله إختلاف المصادر ووحده الإناء ...
هل ينظر الرجل للزوج السابق بنفس مفهوم الضرة ... مع الاختلاف وهل الغيره من ماضي الزوجه الذي يعلمه إبتداء يبرر سوء معاملة الحســن أو إهماله ! أو بشعور غير مريح معلن أو مضمر تجاهه ...؟!
هل الام التى تهمل ابنائها تستطيع أن تقدم شيئا للزوج الثاني ...؟!
هل يرضي الزوج أن تشتري أمه سعادتها بحرمانه وإن بلغ من العمر عتيا ؟!
أسئلة كثيره انفجرت فى رأس عوض النور وهو يغادر حفل التكريم تلك الليله دون أن يحس به أحد ...!
حديث النفس أحيانا أكثر حده مما هو مع الغير ...!
زينب إنسان رائع .. إختيارها زوجه لا يكفي ... تكريمها لا يكفي ينبغي أن تحصد ما هو أطيب فتدرك أن الانسان الرائع الصادق هناك من يناضل ويضحي أيضا من أجله كي ينزله المقام الذي يستحق !
هل يعيد التاريخ نفســه وتتكرر تجربة العبيد أم أن عوض النور قادر علي أن يتقبل كافة القيم الجميله في شخص زينب دون تغول قيمه علي أخرى او تكبح مشاعر إنسانيه لا تبذل إلا لمن يستحق ...!
هل تلدغ زينب من نـُبلِها مرتين ....؟!
الاخلاص والوفاء والحب ... تغمر الانسان بسعاده فيعيش فى مستويات رفيعه من فراديس الدنيا ... وإن جحدها الاخرون ..!
عندما سطر عتمان العنوان وقدمه للمقدم كانت السياره مستعده للرحيل الى الخرطوم لتكملة الترتيبات النهائيه لاستقبال ( زينب) ...
لم يتوجه الى داره و العنوان واضحا فكثير من زملائه يسكنون الثوره كما شغل وظيفة رئيس قسم المهديه قبل عشر سنه ..
طرق الباب الشرقي للدار الفاخره بالحاره الاولي ... فتح الباب رجل في الخمسين ... ربما البذلة العسكريه سبب الدهشه ....
- الســلام عليكم...
= وعليكم السلام ورحمة الله إتفضل ...
- الاخ التاج عبد العال ..؟
= نعم مرحب .. إتفضل ...
- شكرا معاك عوض النور حضرت الآن من الغابه وعندي رســاله للحسن العبيد لو موجود ...؟!!!
= مرحب مرحب اتفضل أهلنا فى الغابه كيف إن شاء الله كويسين ...؟؟
- بخير وعافيه وخيرهم باسط والحمدلله ..
أشار اليه الى المضيفه وتقدمه حتى جلس ثم خرج ...
دخل شابان لم يرهق عقله في معرفة الحسن فملامح العبيد تضج في قسماته والسحنه الشماليه مازالت تزينه بطيبها الذي لم تغسله المدينه ...
سلما عليه وجلسا ومازالت عبارات الترحيب والمجا مله تتواصل عندما عاد ( التاج ) الذى استدعى إبنه وخرجا الى الغرفه المجاوره ....
تلطف كثيرا مع الحسن الذي استجاب سريعا لمحاولات عوض النور الصادقه ....لكسر الرهبه والحيره والفضول ...
- ابوك بخير وعافيه والحمدلله والوالده أيضا بخير أنا عوض النور كنت رئيس قسم شرطة الغابه ...
= بتذكرك شفتك كم مره فى السوق ...
- الوالده زينب حتكون في الخرطوم بعد اسبوع إن شاء الله ...
= هنا في الخرطوم ...؟!
- أيوه فى الخرطوم أنا والوالده تزوجــنا وسوف تحضر بعد أسبوع ومعانا خالتك ( الشول ( صمت طويل أكثر من دهر مر على الحسن لكن عوض النور يخرقه بأن مد يده يطلب الكراسة التى بين يدي الحسن ... ناوله الكراسه والصمت لم ينكسر من جانب الحسن ... ملامح دهشه عظيمه تتعاظم وهو يقرأ ...( صفحه من مذكرات الحسن )
- رائع بجد تسمح انشرها فى مجلة الشرطه الشهريه ..؟! .. عمل جميل يستحق النشر ..؟؟
= تنشر مجلة الشرطه الشهريه فى المذكرات ؟؟
أدرك خطأ الصياغه فضحكا معا ...
- نعم انشر مجلة الشرطه الشهريه فى المذكرات ؟؟ وكمان تواصل ماتقيف وحيكون عندك دخل منها رأيك شنو ...؟
= موافق بس أراجع الكتابه في ورقه تانيه شان الشطب كتير ...
- ما مشكلة سمير أخوك يراجعها معاك ويطبعها وينسقه كويس ....
رأيك شنو عندى ولدين فى سنك يكونو اخوانك وأكون عمك والوالده تكون معانا في بيت واحد ...
دخل عليهم ( التاج عبد العال ) وإبنه يحمل صينية الشاي والمويه وجلسا فإبتدره عوض النور قائلا ..:
- يمكن تكون ما سمعت أنا عقدت على ( زينب النور ) وسوف تحضر للخرطوم بعد اسبوع إن شاء الله وعايز الحسن يكون معاها فى بيت واحد كفاية بُعد وكفانا كمجتمع قسوه عليهم ...
= مبروك سمعت بالزواج لكن يمكن ابوه ما يرضى ولدو يتربى ويعيش فى بيتك واحسن يكون معانا وأنا عندي اولاد في سنو ...؟
- أولا الحسن ما طفل عشان أربيهو أنا ما شاء الله راجل مكتمل الشخصيه وعارف حق الوالدين ... والمهم برضو حاج العبيد يعرف إبنو وين وأنا بتكلم معاهو وإن رفض يسكن معانا بنأجر ليهو مسكن قريب المهم مصلحتهم الاتنين ... بس لو سمحة يكون معانا في البيت يوم الخميس من الصباح في استقبالها وانت والاسره تتعشوا معانا
= مافى مشكله وربنا يسهل ... بالمناسبه أصلا إحتمال الحسن يقبل في جامعة الخرطوم ويقعد داخليه ..... والامور بعد داك بتتحلا ..
- طيب يا حاج بعد خمسة يوم بجى بسوقوا عشان يكون في انتظار امو في البيت لمن تجى .. طبعا دي اجمل هديه ليها لكن هي ما حتتوقع تشوفوا هناك من أول يوم ...
ثم نهض مودعا .... قائلا للحسن بكره بستلم منك المذكرات لازم تحصل العدد القادم تركتكم بخير ثم إنصرف ...
قبل سفره للغابه حضر وإبنه سمير وأخذا الحسن الي بري ...
وكان يقف وسط الصاله بين سلمى وسمير عندما فتحت زينب الباب وإنهارت بين زراعى سلمى والحسن .. ما إندفع من الداخل من مشاعر فوق وســع وطاقة الانسان .... كيف تم ذلك ... شربت كوب الماء بيدها اليمني واليسرى مازالت على رأس الحسن دخل النور الى الصاله وطلب من سلمى عمل شاي بسرعه ..
نظرت الى عوض النور وقالت في صوت عميق يـُضفى علي الحروف معاني تعجز عنها الحروف .. ( شـكرا...)
- يعني الهديه الأولى مقبوله ...؟؟!
= وتكفي ..!!
بسط يمينه بنسخه من مجله الشرطة الشهريه الي زينب ويساره بنسخة أخري للحسن قائلا صفحة 25 ..
صورة الحسن وإسمه وبين قوسين من أهالي الغابه .. العنوان ( صفحة من مذكرات الحسن ...)
ثم إبتسم وخرج ... وأسئله كثيرة تلاحقه ... نعم ما يضير الزوج في زوجه تتقن وتؤدي دورها كأم وربة أسرة أن تكون رفيقه دروب ومتاهات الفكر والرأى ... هل الجانب العملى والجاد في الحياة حكر علي الرجال ... تناول كوب الشاي في يده من سلمى وخرج ..)
فاليوم دعوة تعارف وعشاء علي شرف زينب الاهل وبعض الزملاء ...
لحظات محرجه ولن تخلو من مفاجأة ...
الجارات وصديقات سوسن والمقارنه والقبول ... كل ذلك غير مزعج بنفس ما يتوقع أن تاتي به ( إحسان ) ..؟! التي تحولت من صديقه لسوسن الي ضره من الظل .. وبعد وفاة سوسن إجتهدت كثيرا لتملأ ذلك الفراغ ... وقد تـُوجت جهودها بالفشل بظهور زينب ...
دخل طة المساعد يحمل بشريات إنجاز ما كلف به فقد وجد قطعة ممتازة شمال غرب السوق تصلح لبناء دار فخمه للحسن وأخطر العبيد بأن الغرفة الخاليه سوف يبدأ غد فى هدمها وإعادة البناء ... لكن العبيد طلب الغاء موضوع الهدم وقرر المحافظة عليها كطلب الحسن ...
العبيد جاد في تعويض الحسن ماديا ولكن الحب والعطف والرعايه هل يمكن أن يبذلها بأثر رجعي ...؟!! فقط لو يعود الحسن ويعفو عنه ..( هل كُنتُ أبا عاقا ..؟)
- يا طه نفذ أنا عايز بيت يرفع من شـأنك كمقاول في البلد ويكون هديه مناسبه لنجاح و لزواج الحسن ...!
= إن شــاء الله ما نخيب ظنك ... تركتك بعافيه ...
شرع الضيوف فى الحضور الى الدار وزينب تتفحص الامور ومستوى الاستعداد .. الجدران تحمل عدد من الصور العائليه وزكريات عديده كما اشارت لها سلمي لكن ..
- ليه مافي صوره لامك سوسن الله يرحمه ..
= حبوبه قالت ننزل صور أمي وأنا جمعتها في دولابي
- شــان أنا جيت ياسلمى ولا من زمان ..؟
= نزلناها قبل يومين ...؟
- رجعي كل الصور مكانها ...
( سوسن ) أختي ياسلمى أنا ما جيت ألغي ذكريات أمك العزيزه أنا بكمل مشوار حياه جميله عاشتها أسره عندها من الحب والحنان ما يكفي عشان نتقاسمو ونعيشو باقي عمرنا القصير ...
مفهوم الغيره عندي مختلف تماما مفهوم خاص وحصري زي ما بقولوا ...؟!
طوقت سلمي زينب من وسطها بعنف حبيب تبكي وتنتحب فأخذتها زينب الى إحدى الغرف وأحضرت لها كوب ماء ...
- يلا الضيوف وصلوا ما يشوفو دموع فى العيون الحلوه دى ...
= خالتو زينب أنا كل يوم بحبك أكتر
- وأنا حبيتك الحب كلو مرة واحده مافي تاني زياده ولا نقصان
ياتو الأحلـــى ..؟!
= إنت الأحلـــى ..!