لبيك عثمان الشيخ ( زينب أم الحسن 18)
( الغريــب )
غريب يجلس علي عنقريب من السنط وحبل العشميق ووساده لاتقل عنه قسوة ...و بجواره عود من شجرة الليمون وخلفه راكوبه محكمه كغرفه وسطة حواشه العبيد ... يتطلع اليه الحسن يبحث بين قسماته المرهقه عن حروف تعينه علي معرفة الرجل ... إنحني وأمسك كتفي الحسن انهضه حيث ركع ينتحب عندما أدرك أن الغريب والده العبيد... فالجبل قد ذاب و البحر قد تبخر.. الطيب من نعمة الصحة والتي تعطي للجلباب قدرا عظيما من الهيبه والوقار قد زوت ...
فعصا الابنوس لم تعد ترافق العبيد ولا تناسبه ... و التي بجواره ألآن يتوكأ عليها مازلت بها شئ من خضره ورائحة الليمون .... إحتضنه طويلا في صمت بينما ينتحب الحسن ... ثم جلسا بجوار بعضهما فترة طويله في صخب صامت وبحثا عنيفا عن حلول ....
العبيد يجاهد لحل عـُقد الماضي وكفاراته والحسن يجاهد لحل مأزق الحاضر وضروراته من البر والطاعه ...
لا بشري لحلول قد تشرق قبل المغيب عند كليهما تنير بعض ظلمة النفق...
العبيد يديرا حوارا صامتا بين الحنايا وفي نقطة محدده ولسبب ما ينهار حاجز الصمت فجهر صوته فجأة قائلا :
- نعم يا أبني قررت نفترق أنا وزينب لعيب كبير وفريد في زينب ... عيب مفصل عليها بس لا يوجد في أي إمرأه أخري..!
عيب زينب ليس فقط أنها خاليه من العيوب بل غنيه بقدر من الصفات النبيله والساميه مما لا تعرفه النساء ولا يطيقه الرجال ...!
الانسان لا يعيش مع ملاك ...
الانسان عايز يغلط ويعتذر ...
يتعرض للضرر ويُجبر ضرره ....
يسامح الغير والغير يسامحه ...
يعفو ويتقبل عفو الاخرين ...
يا أبني الغضب والحلم العتاب والتغافل الغلظه والرقه الصفاقه والحياء الاعتذار والتمادي الحب والكراهيه كلها أعضاء غير مرئيه ... فكما للجسد أعضاء مرئيه فتلك الاعضاء تصوغ الكيان البشري وترسم ملامحو... فالنوازع والشهوات لا تعرفها الملائكه لكنها ضرورات تميز الانسان ...
فكرة زواجي التانيه ما خطرت في بالي ابدا قبل اليوم الخطبت فيهو الساره .... كنت كثير السفر طويل الغياب عن البيت قليل المخالطة للناس عندما ارجع ...
وفاة عمك ( السيد ) ابو عتمان كانت كارثة أكبرنا وفي مقام الوالد مش بي عمرو بس لكن برعايتو وحنيتو علينا ... الدموع السايله في عيون عتمان دي دموعه ... وعمك كان الشخص الوحيد ممكن اتحدث معاهو في موضوع زينب وبعد شهر من الوفاة جات عمتك الشام وجلست جنبي وسألتني :
- العبيد أخوي حرام عليك إتق الله ...؟!
( عمتك الشام برضو اكبر مني ... )
= مالك إنشالله خير في شنو ...!؟
- زينب ...! ( صمتت وانا صامت ارسم واخطط في التراب بالعصايه وبعد فتره واصلت ... ) - يالعبيد امي لو حيه ماكانت تكون راضية منك أبدا ربنا قسم ليك خير الغابه وأنت تقسم ليها العذاب دا كلو ليه ؟؟ في شنو يا أخوي يمكن نساعدك ...
= هي شكت ليكي ..؟
- أي قالت لي سعيده ومافي مشكله تب بينكم لكن نحن ما شايفين ؟؟؟
- أنت ما طبيعي حتي مع جناك الحسن عمره خمس سنين لا تلعب معاهو لا تسأل عنو لا تشيلو حتي اسمو ما أخترتو ليهو ... حرام عليك لو ماك دايره الطلاق رحمه خلها التشوف حياته بعيد منك ... أقولك شي عرس تاني شان تعرف نعمة ربنا البتعفص فيها دي .. قمت وعمتك تتكلم طلعت من البيت مشيت السوق بدون غرض ولمن رجعت كنت خطبت الساره من ابوها الشيخ ويوم العقد دخلت زينب الغرفه وانا بلبس هدومي ماشي العقد وأنا لا شاورتها ولا طيبت خاطره ... نحن قاسين ومتعالين بدون سبب ...؟!
اختارت لي احسن ما عندي ونضفت لي المركوب وعطرتني وناولتني العصايا ... والغرفه اشد صمتا مما لوكانت فاضيه جسمي يمتص كل صوت حتي انفاسنا انا وهي كانت غير موجوده....
وانا مارق من البيت ... ربي يغفر لي ... مدت يدها وسلمت علي وقالت لي ربنا يتم ليك علي خير ويسعدك ... ورغم إني ما رفعت عيني في عينه لكن ما حسيت أبدا صدق النيه في كلام زول زي ماحسيتو في كلام زينب اليوم داك ... كانت صادقه وسعيده أكتر مني ومن أمي يوم زواجي من . زينب ...! احساسه العظيم داك ما شان مستغنيه .... لانها ما بتفكر في نفسها إلا شان تفتش يمكن تلقي جواها حب اكبر وخير اكتر تقسمو للناس ... لو كان في نسوان أنبياء كانت أمك منهن يا الحسن ...!
- الحسن ...
= نعم ابوي ..
- خلي بالك من امك يالحسن ماتقوليها الكلام دا إلا بعد ما أموت وربنا عارف قدر شنو انصفتها وعظمتها في جواي ... قدر شنو ظلمت نفسي وهنتها ... الحسن خلي بالك من اخوانك ...
= يابوي ربنا يطو لينا في عمرك وترعانا كلنا ...
- ياولدي انت قاعد معاي لكن ربتك امك شان كدي ما بتقصر ولو حصل إنت قصرت زينب ما بتقصر في اولاد الساره ... عجائب الزمن الضره أرأف بي اولاد ضرته منها ومن ابوهم ... الساره محظوظه بي زينب وما بتحمد ربها ولا سعيده .. السارة أم أولادي وبتمني تكون سعيده وخيره ويكون بينه وبين الشر حجاب ... وزينب شقيه بينا كلنا وصابره وشاكره وغافره وسعيده .. الساره أيام عروس زينب تخدم فيها وتساعده وتقدم ليها الما بتعرفوا وما بتقدر عليهو زي أمها وأكتر ...
زينب تزغرد ...
زينب تقسم الحلاوه ...
زينب زي أم العروس تستقبل الضيوف مبتسمه وتلوم الما قاليها مبروك ..
زينب بعد زواجى ما غيرت ولا قصرت في خدمتي بالعكس كانت أحرص من الساره ...
الساره و أمها مشغولات بالمؤامرات والكلام الفارغ البصغر فيهن في نظري وفي نظر الناس وزينب عارفه وأسعد مننا كلنا ...
بالطلاق قصدت الخير لكن الخير ما نيه بس ...
الخير نتيجه تسعد الناس ..
الخير مخلوق زي القمريه والقمره وزي البسمة في وش الطفل الناس بتشوفو و تفرح بيهو ...
ياولدي مجتمعنا ظالم وغبي ما بفسر الطلاق إلا عيب في المره او تقصير منها وما بلوم الراجل ... والرجال ما بعظمو ويقدرو في النسوان إلا أمهم ..
العظمه ما لانها ولدتني انا شخصيا ...
العظمه لانها ولدت عظماء أخرين تكن ليهم نفس الحنان والشفقه البتكنها امي لي أنا العبيد ...
زينب ياالحسن بتبر أمها في أي أم تانيه ...
زينب ما لاقت مره كبيره إلا باحترام وود ومحبه ما بتلقاها عند جناها ...؟
صدقت آمنه جيد لمن قالت ليها ( يازينب يابتي كلما اتمنينا شيتن سمح في بناتنا لقين عندك الاسمح منو ..)
وزي ماقال جدك النور ( مافي مره في البلد لا أمي لا أمك ولدت متل الحسن ..) و زينب إطلقت لانها ....
صمت وعيناه معلقتان بمدخل الحواشه و الحسن جالس في التراب ساند جنبو اليمين علي العنقريب وماسك يد ابوه ... وعتمان يعبر باب الحواشه والتيمان فوق ضهر الحماره ... هب الحسن واتجه الي عتمان فتعانقا طويلا كان التيمان قد صعدا علي ظهر ابيهما وحجره يسألونه دا منو يابوي وهما ينظران بإستغراب الي الحسن الذي إلتفت اليهما وضمهما اليه... بينما همس احدهما بصوت مسموع : (يابوي أنا عرفتو دا الكان بحلب لينا اللبن ) العبيد يتحول الي سائل ينسكب من عينيه الغائرتين ..يتلاشي شيئا فشئ إنه يذوب هل سوف يغيب العبيد ..؟ يتذكر حديث النور له في المستشفي عندما سأله( التيمان بعرفو أنو الحسن اخوهم ؟!!) .
عاد عوض النور من صلاة الصبح بينما زينب في المطبخ تعد الشاي دخل الي حجرته مباشرة وجعل يقلب اوراق العمل يرتب بعضها ويمزق بعضها ويصحح او يضيف او يشطب كلمة هنا او حرفا هناك وفي غيبوبته تلك هتف بصوت عال ينادي :
- يا سـوسن ..!
دوى الاسم كجرس كنيسه قـُرِع داخل أذنه فأغرقه في سكون ثقيل أستشعره عوض النور وقد عم المكان ... رفع رأسه يبحث عن شئ ما في ملامح زينب ... وضعت صينية الشاي امامه مبتسمة تنظر اليه ثم تحركت ودارت خلف الكرسي الذي يجلس عليه ووضعت يديها علي كتفيه وقالت ( في نبره واثقه وحنينه ...) :
- سـوسن ...
إسم جميل وتستحق الأجمل ... تستحق اسم بجمع روعة كل الشذى والعطر والألوان الجميله والمعاني الحلوه وطيبه ... الله يرحمها كانت سوسنه فعلا في الحله وعند الاهل ... كتير جدا بحس انهم بقارونو بيني وبين سوسن عشان كدا عايزاك تحدثني عنها وكل تفاصيل حياته عشان الحاجات الجميله الكانت بتقدما ليكم وللناس ما تنقطع عايزه اكون زي صدقه جاريه لسوسن ... يمكن التعبير يخوني لكن يسعدني جدا إنك ويعزز من قدرك وشأنك عندما تتحدث عن إنسان رعاك وأسعدك ويستحق منك الوفاء ومننا القليل من الحب ....
- = في الحقيقه ... ( صمت عوض النور ... زينب تستدرك حرجه فتواصل ....)
- في الحقيقه سوسن ذكري طيبة غرس لن يذبل بل يذداد خضره وثمار وجذور أوعك تفتكر أنا منزعجه من كونها مازالت علي لسا نك أنا سعيده جدا كونك أنت وفي ومخلص لشريك معاك في سلمى وسمير وسامى ... تعال بدون حرج نتكلم عنها ونترحم عليها كلنا ولازم نساعدك شان تحتفظ ليها في جواك مساحه أكبر من الحب والتقدير مساحه بقدر ما تتسع جواك وتخضر تتوسع مكانتنا كلنا عندك وتخدر وتثمر وتفوح وزي ما الاب بحب اولادوا كلهم بدون ما يقصر في واحد ممكن الرجل يحب ويحترم و يسعد ويفي لاكثر من زوجه مع بعض ...
الغيره عندي ماغيره تجاريه وتنافس بليد لاحتكار المشاعر أوالجسد ...
لا لا الغيره اكون عندك بستحق نفس الدرجة الوضعتـك أنت فيها ونفس العرش والتاج في قلبك وعقلك وروحك ...
وشرط العدل عندي أن أكون في قلبك بقدر ما إنت في قلبي ...
العدل ليس أن ننال نفس القدر من العطايا الماديه ولا أن تقضي معنا نفس القدر من الزمن ... ولا أن ننال تفس القدر من الحب بل أن ينال كل فرد منا أقصي ما يستطيع قلبك أن يبذله ويســــتحق أن ينفقه من الحب ...!!!
ثم استدارت وجلست بجواره تسكب الشاي بعد أن تخللت اصابعها اليمني شعر رأسه الفقير ... لمسه سكبت في عروقه ما جعله يحدث نفسه (الآن أدركت كم عانا العبيد ..)؟!
صوت سلمي يتسلل اليهما يترنم بلحن وصوت جميل ...
(طوبي للقلوب النازفات الروح الصابرات علي مر السقم ..)
طرق خفيف علي الباب الخارجي يقطع النغم فينهض عوض النور ليفتح الباب فتسلل للداخل صوت صافرة الاسعاف تقترب شيئا فشئ ... تندس سلمي تحت جناح زينب تترقبان عودة عوض النور في قلق ...
- المقدم يس بقول اخته ( إحسان ) اصطدمت بالباب وإنكسر الزجاج وقطع شريان يدها اليمين بتنزف بشده يمكن تحتاج دم يا سلمي صحي أخوانك يلحقوني في المستشفي سريع ..
- حاضر يابوى
( وانطلقت سلمي للداخل ... ) وزينب تطلب من عوض النور خمس دقائق ( أنا وسلمي بنمشي معاك يمكن تحتاج لينا ..).
كانت ممده علي السرير والقطع المطلخة بالدم بجوارها توضح حجم الجرح ... تم سحبها سريعا الي غرفة العمليات الصغيره والطبيب يطلب ثلاثة زجاجات دم ) – (o تقدمت بتلقائيه أنا ( – (oالوحيده من بين الحضور..وعوض النور يحدث نفسه ( سـوسن ايضا( – (o ؟!!.
الطبيب يخاطب السستر :
- مافي وقت والمعمل ما فيهو( -(o اعملي ليها الفحوصات سريع ولو ما في موانع أعملي نقل مباشر...
اصطحبت السستر زينب الي الداخل ...
وبعد ساعه كانت (زينب ) و ( إحسان ) ممددتان علي سريرين متجاورين زينب علي السرير ألأعلي حتي ينساب خيط أحمر قاني يربط بينهما ... سلمي تبتسم وتلوح لابيها من خلال زجاج الغرفه بيدها اليمني ويسراها تتشابك ويمنى زينب أما ( إحسان ) فقد كانت في ثبات عميق .... إحسان !!..
إلتفت عوض النور يشرح لسامي وسمير ما حدث وبعض الحضور من أهل ( إحسان ) يشكر والبعض يعتذر أما من كانوا علي علم بقصة ( إحسان ) مع عوض النور وسوسن ثم زينب فقد كانوا صامتين ..
العاشره من صباح اليوم التالي توقفت العربه التي تقل ( إحسان ) أمام دار عوض النور وترجلت منها ( إحسان ) ومعها أخواتها ....
عناق حار وطويل بينهما ودموع في عين ( إحسان ) لا تغسل بعض الماضي بل تسقي حقول جديده من الود بين الاسرتين ...
= شكرا وكل كلام جميل ما بكفي بس أقبليني اخت ليكي ... لالا بت باره ..
- نحن فعلا اخوات وأنا ما عملت اي حاجة تستحق حتي زيارتك دي كان ترتاحي ونحن نصلك والحمد لله علي سلامتك ... اتفضلوا البيت بيتكم .. و امسكت سلمي من يدها وخرجتا من الصاله ثم عادت زينب تجالس الضيوف و تسامر ...