بسم الله الرحمن الرحيم
سئل الإمام عن تصريح كرتي:
جاء في رد لإمام عندما سئل: (كرتي إنسان بذي العبارة يخالف السنة ليس المسلم بالطعان ولا اللعان يخالف قول النبي (ص): “المسلم من سلم المسلمين من لسانه ويده”. ولكن بالنسبة لتصريحه فالنظام الانقلابي صادر أموالنا بغير حق. وسجننا بغير تهمة. وأوقع علينا وعلى كثيرا من المواطنين ظلما بدنينا وماليا. وكنا ولا زلنا نطالب برد أموالنا المنهوبة. وما رده النظام لنا هو جزء بسيط من المال المنهوب. والحقيقة أن كثيرا من قادة هذا النظام نهبوا أموالا طائلة ونحن ضمن إستراتيجية الحوكمة البديلة سوف نكّون آلية مؤهلة للتحقيق في الأموال المنهوبة التي ظهرت الآن في شكل عقارات، وأبراج، وعمارات داخل السودان وخارجه يملكها أشخاص ما كانوا يملكون شيئا وهذا يعني ضرورة توجيه تحقيق واسع وطني من أين لك هذا؟.
عفة حزب الأمة..وقلة أدب (كرتي) !
خالد عويس
روائي وصحافي سوداني
www.Khalidowais.comنعودُ مرةً أخرى - في سياق هذا المقال، بعد مقالنا الأول عن علي كرتي وكمال عبيد – إلى التصريحات الغريبة التي تفتقر إلى أدنى درجة من التهذيب التي أدلى بها وزير خارجية “التنظيم”، علي كرتي، ووصف من خلالها السيدين الصادق المهدي ومحمد عثمان الميرغني، زعيمي أكبر حزبين سياسيين في السودان، بالـ(سجمانين) !
ووصف خصمٍ سياسي في السودان بأنه (سجمان)، ناهيك أن يكون هذا الخصم في مكانة وعمر وتاريخ السيدين المهدي والميرغني هو وقاحة ما بعدها وقاحة، وقلة أدب تنبئ عن انحطاطٍ في الأخلاق والسلوك يسم – عادةً – القسم الأعظم من قادة نظام (الهلاك) منذ أن تربعوا على السلطة في جنح ليلٍ بهيم في 30 يونيو 1989 ليدخل الوطن بأسره منعطفا لن يخرج منه سالما إلا بمعجزة، والسبب الرئيس هو هذا القدر من الانحطاط الأخلاقي الذي سوّل لهم - طيلة 21 سنة – أن يقتلوا بذريعة اقتناء عملات أجنبية، وأن يُعذبوا - في المعتقلات - حتى أساتذتهم في الجامعة، مثلما فعل نافع علي نافع، وأن يتنعموا هم بثروات طائلة ويدعوا القسم الأعظم من الشعب السوداني لغائلة الجوع والمرض والفقر المدقع !
وقاحةُ هؤلاء الناس طيلة عهدهم فاقت أيّ وقاحة عرفها السودانيون طوال تاريخهم. وقلةُ أدبهم بزّوا بها حتى أكثر الناس جلافةً وانحطاطاً، والسيئ في الأمر أن كل ذلك يتم باسم الدين، والدين الإسلامي أبعد ما يكون عن ذلك. فالله سبحانه وتعالى نهى عن التنابذ بالألقاب، لكن صحافتهم في أيام الديمقراطية كالت الشتائم لكل خصومهم، وسمّتهم بألقاب تعافها النفس “السوية” !
وهم منذ أن تنسموا السلطة ما كفوا أذاهم وأذى ألسنتهم المتقيّحة وأقلامهم القبيحة عن الناس.والله تعالى وجه أن يكون الحوار بالحسنى و”بالتي هي أحسن”، لكنهم، وفي كل منعطف كانوا الأكثر خشونة، والأقل دماثة، والأشد رعونة وطيشاً واستخداماً لألفاظٍ ونعوت لا تعبّر إلا عن مرضٍ نفسي عُضال ينبغي أن ينتهي بصاحبه إلى طبيب يداويه، ولم تغِب عن ذاكرة السودانيين بل والشعوب الأخرى الجارة، بعد، سيول الشتائم التي انهال بها “بوق” التنظيم -آنذاك - يونس محمود على رؤوس قادة دول الجوار وقادة المعارضة بألفاظ يعفّ عن ذكرها المرء.
إنها مدرسةٌ واحدة حتى إن تمّت عملية تبادل للأدوار بين حينٍ وآخر. إنها مدرسةٌ كارهةٌ للناس، وكارهةٌ للإنسانية، وكارهةٌ حتى لذاتها الممثلة في زعيمها التاريخي والروحي، الدكتور حسن الترابي، الذي زجّ به تلاميذه مرات في غياهب السجن، ونكلّوا برفاق الأمس الذين لطالما أكلوا على موائدهم وناموا في بيوتهم وتقاسموا معهم السراء والضراء !
والله تعالى يأمر بالبر والإحسان، لكنهم ظلوا الأكثر فجورا ! والله تعالى يأمر بالرفق واللين، لكنهم مثلوا دائما الطائفة الأبعد شقة - بين السودانيين - عن هذه المعاني، حتى تساءل أشهر كاتب سوداني على الإطلاق، المرحوم الطيب صالح: “من أين أتى هؤلاء” ! لكنهم - يا سيدي الطيب، رحمك الله – أتوا من بيننا، واستغلوا سماحتنا وطيبتنا، بل وسذاجتنا، ليحكموا حبالهم حول أعناقنا، وليحيلوا الوطن جحيما !
ينتمي علي كرتي إلى حزبٍ فاسد حتى النخاع، ومجرم أشد الإجرام، ملطخة أيدي كبار “مجرميه” بدماء الشعب السوداني في كلّ مكان، امتص حتى حليب الأطفال ليثري - بالحرام -، وقذف بمئات الآلاف من الأطفال خارج الفصول الدراسية لعجز أسرهم عن سداد أقساط المدارس، وقتل النساء بدمٍ بارد، وأشاع الفساد في كل ركنٍ وزاوية، وأحال الوطن دياجير من الظلام والإظلام، وأرهب وأرعب وخوّف، ورمى بمئات الآلاف خارج الخدمتين المدنية والعسكرية، هم وأسرهم، معوزين محتاجين، وأقصى كل من ليس معه، وفرض ضرائب باهظة على كل سوداني، حتى الُرضع، ولم يسلم من شروره وأذاه حتى الشجر والطير، فالبلد التي كان يجيئها “حتى الطير الجائع”، ما عادت توفر غذاءً للآدميين ناهيك عن الطير، ينتمي علي كرتي إلى كل ذلك “الوسخ” الملتصق بأجسادهم وثيابهم فرداً فردا، لكنه، بعد ذلك كله لا يخجل، لا من تاريخه الأجرب، ولا من واقعه المتعفن - كحزب، وكحكومة -، ليمضي في حفلة الشتائم والبذاءات التي ابتدأت في 30 يونيو 1989 !!
والحقُ إن المرء حين يجد نفسه في أتون مستنقع وسخ طيلة 21 سنة، لا يبارحه قيد أنملة، لأن حواسه ذاتها تستمرئ “تلك الرائحة”، رائحة المؤتمر الوطني الكريهة التي أزكمت الأنوف. أمثاله من الذين استمرأوا حفلات السحل والتعذيب والرقص على الجثث الآدمية، لا يمكن أن يجرّ رجليه خارج الأوحال التي تغطيه. ولا يمكن أن يفكر حتى مجرد تفكير في العيش كبقية الآدميين نظيفاً من الدرن النفسي، كيف لا، وصور ضحاياه وضحايا نظامه بمقدوره أن يراها في كل زاوية من زوايا هذا الوطن المنهك. من استمرأ الكذب والنفاق والدجل باسم الدين نفسه، لا يمكن أن يصبح إنساناً سويا يتكيّف مع الحياة الطبيعية !
علي كرتي يصف السيد الصادق المهدي بأنه “سجمان” !
“سجمانٌ” لأنه يتقبل رشوة المؤتمر الوطني ليلاً، ويشتمه نهاراً على حدّ مزاعم كرتي !!
أثبت كرتي للشعب السوداني بأسره أنه هو وحزبه “راشون”، وبرهنوا أنهم يستغلون مال الشعب السوداني لمآرب سياسية، وأثبت بالدليل القاطع عدم نزاهة الانتخابات، وإلا لماذا يدفع من مال الشعب السوداني لهذه الأحزاب كي تشارك، إلا إذا كانت الانتخابات “حفلا مفضوحا وغبياً للتزوير”؟
ومن طرفٍ خفي اتهم علي كرتي نفسه وقادة حزبه بأنهم مجموعة من الرجال البلهاء غررت بهم قيادة حزب الأمة، واستدرجتهم - كأقصى ما تكون السذاجة – لدفع أموال طائلة لم يجنوا من ورائها شيئاً، لا بل على العكس، أسهمت في تعريتهم وفضحهم من خلال استخدامها في أنشطة حزب معارض !!
فهل يُقر وزير خارجية “التنظيم” بغبائه و”هبل” رفاقه؟
لكن مهلاً، فلحزب الأمة أيضاً كلمته للتاريخ. حزب الأمة - لا علي كرتي - هو أوّل من كشف هذا الأمر، فهل سعى حزب الأمة - علانيةً - إلى فضح نفسه؟ ولماذا يفعل حزب الأمة ذلك بمحض إرادته؟ هل يحسب قادة المؤتمر الوطني أن كل الناس على ذات الدرجة من الغباء؟
في بيان صادر في 16 أبريل 2010، قال حزب الأمة القومي ما يلي:
(أثير غبار إعلامي كثيف اشتركت فيه صحف وأقلام صحفية وقنوات تلفزيونية حول المال الذي تسلمه حزب الأمة القومي من السلطة القائمة مؤخرا، سيقت من خلاله تهم ومغالطات تهم الرأي العام السوداني، ونود رصد الحقائق التالية:
1. بعد قيام انقلاب 30 يونيو تعدى القائمون به على ممتلكات الأحزاب السياسية والأفراد المعارضين، وظلت سلطة “الإنقاذ” تنتهك حرمة الحقوق والممتلكات العامة والخاصة بطول فترة حكمها. وقد صادرت أموال وممتلكات حزب الأمة القومي وبعض قادته دون اعتبار لحق أو قانون.
2. أصول حزب الأمة القومي التي صودرت في 1989م تشمل دور عديدة للحزب في الولايات المختلفة بالإضافة لممتلكات خاصة برئيس الحزب استخدمت كدور للحزب وهي: دار الحزب بأم درمان والمبنى المجاور له ودار الحزب بمدني بالإضافة إلى 169 عربة وأجهزة اتصالات ومطبعة وأثاثات.
3. في سنة 2000م أقر النظام بحقوق الحزب وأعاد المباني المصادرة الخاصة برئيس الحزب، وجرى تقدير للحقوق التي يُستحق الحزب التعويض عنها كالتالي (التقديرات واردة بنقد اليوم- الجنيه الجديد):
• 169 عربة قيمت بمبلغ 13,041,000
• أجهزة اتصالات ومطبعة وأثاثات قيمتها 1,485,000
• إيجار الممتلكات المستردة طيلة فترة المصادرة 2,736,000
الجملة 16,923,000
4. تم الإقرار بالحقوق المذكورة وتم سداد مبلغ 2,700,000 جنيها في ذلك الحين على أن يتم سداد بقية المبالغ تباعا (صار المتبقي حوالي 14 مليون)، ولكن النظام أراد الربط بين إرجاع الحقوق المستلبة وبين المشاركة في سلطته التي رفضتها المؤسسة الحزبية إلا وفق حكومة قومية أو انتخابات عامة حرة ونزيهة بقرار المشاركة الشهير في 18 فبراير 2001م.
5. الإقرار بهذا الحق منذ 2000م وحجزه حتى الآن له تبعات مالية فهذا المبلغ لو وضع في أسهم شهامة كمثال لصار اليوم 62 مليون جنيها.
6. كان النظام قد اتخذ سياسة إفقار ممنهجة للأحزاب وقادتها وكادرها والرأسمالية التي تمولها، لذلك طالبت الأحزاب السياسية جميعها بضرورة رد المصادرات كجزء لا يتجزأ من مطلوبات وبيئة الانتخابات العادلة والنزيهة لتستطيع الأحزاب أن تتحرك بفاعلية وسط قواعدها إبان الحملات الانتخابية ولترحيل الناخبين للتسجيل والاقتراع. وقد ورد ذلك ضمن اتفاق التراضي بين حزب الأمة القومي والمؤتمر الوطني في مايو 2008م.
7. خاض حزبنا مراحل الانتخابات الأولى برغم عدم الاستجابة لمطالباتنا المتكررة لضمان حد معقول من الحرية والنزاهة لخوض الانتخابات. وفي 2 أبريل 2010م اتخذ المكتب السياسي للحزب قرارا اشترط فيه ثمانية شروط لمواصلة المراحل المتبقية من الانتخابات وهي: تجميد المواد القهرية في قانون الأمن- عدم استخدام موارد الدولة وممتلكاتها في الحملة الانتخابية- الاتفاق على معالجة مستقبلية لدارفور- تكوين مجلس قومي للإعلام- عدم الزج بالاستفتاء في المساجلات ووقف حملات الكراهية- تكوين مجلس دولة للإشراف على مفوضية الانتخابات يلزمها بضوابط الاقتراع- تأجيل الاقتراع لشهر- وتمويل الأحزاب لمقابلة احتياجات الانتخابات.
8. في التفاوض مع المؤتمر الوطني حول شروطنا تم القبول بالشروط إلا التأجيل. وفي بند التمويل نوقش أمران: مستحقات الحزب المتبقية بطرفهم والمحجوزة برغم الإقرار بها في 2000م، وتمويل الأحزاب جميعا من قبل الحكومة المركزية وحكومات الولايات بحسب ما هو وارد في القانون، والذي تم الإقرار به بدون أن ينفذ. أما بند مستحقاتنا المتبقية فتم سداد مبلغ 2 مليون جنيها. وتصير بقية مستحقاتنا هي 12,223,000 جنيها سودانيا.
9. فيما يخص الشفافية فقد استدعى رئيس الحزب رئيس ومقرر اللجنة المالية وحول لهما الملف المالي وقاما بدورهما بتنوير لجنة المهام (المكونة من قادة الأجهزة الدستورية ورؤساء لجان الانتخابات والمرشحين لمناصب الولاة الحاضرون) وهذه اللجنة هي التي ناقشت أسس توزيع المبلغ، كما تم تنوير المكتب السياسي لدى انعقاده في 6/4 بما تم الاتفاق عليه وما رفض من شروط الحزب وما تم تسلمه من مبالغ كجزء من مستحقاته المستردة.
10. المكتب السياسي رأى أن عدم الاستجابة لشرط التأجيل المخفف (شهر فقط في مقابل مطالب التأجيل حتى نوفمبر 2010م) يفقد الشروط الأخرى أي معنى لها فرأت الأغلبية مقاطعة الانتخابات في كافة المستويات مع استثناء ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان لتعلقهما بالمشورة الشعبية المصيرية للمنطقتين. وهذا يؤكد بلا أدنى ريب انتفاء وجود صفقة لوح بها البعض، فهذا القرار حرم المؤتمر الوطني من شرعية يطلبها لانتخابات مطبوخة.
11. بادر رئيس الحزب بإعلان تسلم جزء مما تبقى من حقوق الحزب المسلوبة من قبل سلطة “الإنقاذ” وذلك في المؤتمر الصحفي الذي أعلن فيه مقاطعتنا لمرحلة الاقتراع في 8/4/2010م.
12. صحيح أن حزب المؤتمر الوطني تعامل مع الأمر بشكل يثير الريب فقد صدرت منه تسريبات للصحافة بمبالغ مضخمة ومتعارضة فيما بينها إذ قال مصدر وصف بأنه مأذون لرئيس تحرير صحيفة “الأخبار” بأنه سلمنا 4 مليون (صحيفة الأخبار بتاريخ 13/4) وقال آخر لرئيس تحرير صحيفة “التيار” إن المبلغ 10 مليون (حديثه في برنامج خاص بالقضية بث بقناة النيل الأزرق في 14/4 وأعيد بثه في 15/4)، وتحدث بعض قادته المسئولون في الحزب والحكومة نافيا علمه بالأمر، وهذا مع ما أشيع حول أحزاب كثيرة تسلمت منه مبالغ في ظل صفقات أضاف للريب المحيطة بكل تعامل مالي مع المؤتمر الوطني في ظل سياسته المعروفة: كشكش تسد.
13. على المؤتمر الوطني إذا كان بالفعل قد صدق بالمبالغ المذكورة أن يعمل المساءلة لمعرفة إلى أين ذهبت؟ وعليه إعمال الشفافية والمؤسسية لتكون المفاوضات مع الأحزاب والناتج عنها أمور تشارك فيها المؤسسات وتعلم بتفاصيلها.
14. إن موقف حزبنا لا يمكن التشكيك فيه فقد حرصنا على الشفافية داخليا وللرأي العام، ناهيك عن موقفنا السياسي الواضح.
15. الغرض من هذه الحملة التي اشترك فيها كثيرون بوعي أو بدون وعي هو البلبلة والتشويش وصرف النظر عن المهزلة التي أسفرت عنها عملية الانتخابات المضروبة والتي أكدت صحة قرارنا المؤسسي.
16. سيظل حزبنا يعمل الشفافية في أروقته ويسعى لها في الدوائر العامة.
17. وسيظل يطالب بدعم الأحزاب السياسية من قبل الدولة عبر مجلس شئون الأحزاب كجزء من تمويل البناء الديمقراطي المنشود، كما سيظل يطالب ببقية مستحقاته المسلوبة وما ضاع حق من ورائه مطالب).
انتهى بيان حزب الأمة القومي، وأوردناه كاملا في سياق هذا المقال، لنضع رأي حزب الأمة في مواجهة رأي علي كرتي وحزبه. والمنطق - لا التهريج، كالتهريج الذي أدلى به كرتي - يقول إن رواية حزب الأمة للأحداث متماسكة وتتسق مع مواقفه الثابتة وتاريخه، في حين أن رواية كرتي تأتي في سياق أكاذيب عرفها الشعب السوداني بأسره عن كرتي ورفاقه منذ ليلة استلامهم السلطة !
الشعب السوداني يعرف جيدا عفة حزب الأمة وقادته، وهم الذين تولوا الحكم - لفترات متقطعة وضئيلة جداً - ولم يجرؤ أي نظامٍ قمعي وديكتاتوري على محاكمتهم بتهم الفساد، لا الجنرال عبود، ولا الجنرال نميري، ولا الجنرال “الراقص” عمر البشير !
قادةُ حزب الأمة استشهدوا وهم يدافعون عن هذا الشعب، كما فعل الإمام الهادي، ومنفيين، كالسيد محمد أحمد محجوب، وفي أثناء تطوافهم على الناس واقفين على أحوالهم، ومواصلين إياهم في السراء والضراء، كالدكتور عمر نور الدائم والدكتور عبدالنبي علي أحمد، وفي سعيهم الدؤوب للعمل على وحدة البلاد ووقايتها من الفتن، كالسيدة سارة الفاضل، رحمهم الله أجمعين !
فلينشر علي كرتي صورة فوتغرافية لبيته - اليوم – وبيته قبل الإنقاذ، لنقارن ويقارن الشعب السوداني بين قصره – اليوم – وبين بيت الأمير نقدالله، شفاه الله، وهو بيتٌ متواضعٌ للغاية، وبعض أجزائه من الطين، في حي ودنوباوي في أمدرمان !
فليحدثنا كرتي عن بيت وزير دفاع التنظيم، عبدالرحيم محمد حسين، الذي بلغت كلفة مصاعده الكهربائية -فقط – قبل 7 أو 8 سنوات، 300 مليون جنيه سوداني، في حين أن النساء يمتن نتيجة الحاجة الماسة لـ”حقنة”، ويتقاضى نائب الأخصائي 750 ألف جنيه شهريا !!
فليحدثنا كرتي عن ثروة “آل البشير” وممتلكاتهم العقارية في حيّ كافوري!
فليحدثنا عن “كتائب الأحجار الكريمة” في جهاز الأمن، ولماذا هي حكرٌ على قبائل بعينها، وكم يتقاضى “الفرد” في جهاز الأمن !
فليحدثنا عن بيت “عوض الجاز” الموصول جانبيه بجسر معلّق!
فليحدثنا عن قصر مصطفى عثمان، وقصور قادة النظام وقياداته الوسيطة، وليقارن بين هذه القصور، وبين بيوت قادة حزب الأمة، وبعضها من الطين !!
فارقٌ كبير بين عفة حزب الأمة - يا هذا - وبين فسادكم الذي شهد به العالم أجمع !
على عكس قادة حزب الأمة النزيهين، يعلم الشعب السوداني “اللصوص الفاسدين” و”القتلة المجرمين”، فهم تركوا في كل شارع مأتماً، وفي كل حيّ يتيما معوزاً، وأرملةً تدعو الله عليهم آناء الليل وأطراف النهار !
السيد الصادق المهدي الذي يتهمونه - اليوم - باستلام مالٍ حرام يشبههم ويشبه سلوكهم وسرقاتهم، رفض في عهده الديمقراطي حتى راتب الحكومة، وكان حتى طعام غدائه – في مجلس الوزراء – يأتي من بيته ومن حرّ ماله، فأي وجهٍ للمقارنة بين هذا وذاك؟
السيد الصادق المهدي لم يبنِ بيوتاً فخمة ولم يؤسس شركات بملايين الدولارات، وهو على رأس هرم السلطة كما يفعلون اليوم، بل ولحظ الناس أنه أتى السلطة على حال، وتركها على حالٍ أخرى بانت حتى على وجهه وجسده من الهمّ العام الذي حمله على كاهليه، على عكس “رئيسهم” اليوم، الذي جاء إلى السلطة على حال، وهو - اليوم - على حالٍ أخرى من الدعة والنعيم، على الرغم من مسلسل القتل في دارفور، وعلى الرغم من أنه أضحى أشهر ملاحق - جنائياً - في العالم !
حزب الأمة - اليوم - هو أكثر الأحزاب فقراً وعوزاً، تشارك قيادته وقاعدته الشعب السوداني فقره وعوزه و”عفته”، ورغم ظروفه السيئة هذه، رفض بإباء المشاركة في السلطة عقب اتفاق جيبوتي رغم انقسامه نتيجة ذلك، ورفض المشاركة فيها بعد اتفاق السلام في 2005 - رغم مشاركة غالبية أحزاب التجمع -، ورفض مهزلة الانتخابات في 2010، ويعلم أيّ مواطن بسيط كيف يعيش قادة حزب الأمة مثله تماما، لا مثل قادة المؤتمر الوطني المنعمين الذين لا يخالطون الناس في الأسواق، ولا يعرفون شظف العيش !
كرتي ورفاقه - هذه الأيام - مصابون بحالٍ من “الوسواس القهري” نتاج التفكير في مصيرهم ومصير سلطتهم، ومن الخطوب المدلهمة التي تنتظرهم، لأن مسيرتهم “القاصدة إلى المال الحرام وإلى القتل وسفك الدماء” تبدو أقرب إلى النهاية، مع استحقاق فصل الجنوب المعلّق على رقابهم، ومع الانهيار الاقتصادي المتوقع، والمشكلات العويصة التي باتت تحاصرهم ودفعتهم إلى “التسوّل” - علانية - على رأس الأشهاد على موائد “دول الاستكبار” في نيويورك. ألم يسع النائب الثاني، علي عثمان طه، في نيويورك لإعفاء السودان من دينه الخارجي؟ كيف بلغ ديننا الخارجي 35 مليار دولار؟ أين المليارات التي حصل عليها “المؤتمر الوطني” من عائدات النفط؟
وحين رفضت “قوى الاستكبار” اسقاط الدين الخارجي، راح علي عثمان يتسوّلهم 4 مليارات دولار أخرى كان قد تعهد بها المجتمع الدولي عند توقيع اتفاق السلام، ودون جهد يفهم المرء أنه تسوّل مشوب بـ(الابتزاز)، 4 مليارات دولار في مقابل اعتراف الخرطوم بنتائج استفتاء الجنوب !
والخلاصة أن “عصابة الخرطوم” لا تهمها وحدة السودان، ولا يهمها المواطن السوداني أبداً، يهمها فقط “العمولات” التي سيحصلون عليها وتمكنهم من الاستمرار في “السلطة والثروة” ! وللمواطن السوداني البسيط أن يسأل علي كرتي، لماذا لم تتم الاستفادة من أموال النفط طوال أكثر من 10 سنوات لصالح الزراعة في السودان؟ الإجابة التي لن يقدر كرتي على البوح بها هي أن هذه الأموال ذهبت إلى جيوب رفاقه في الحزب الحاكم، وأن الديون التي تراكمت على السودان هي الخديعة الكبرى التي تمّ بها تنفيذ بعض المشروعات التنموية لزوم التمويه، مثل “سد مروي” وبضعة شوارع بمواصفات غاية في المحلية، وجسور لن تقوى على الوقوف، لأن بعضها - الآن - غير مطابق للمقاييس.
المواطن السوداني البسيط سيسأل علي كرتي: لماذا أحجم المستثمرون الخليجيون عن الاستثمار بشكلٍ كبير في السودان؟ والإجابة التي لن يقوى علي كرتي على قولها هي إن الفساد، فساد المسؤولين جعل المستثمرين الخليجيين يحجمون عن ذلك !
علي كرتي في شتيمته الوسخة لرئيس حزب الأمة وبأكثر الألفاظ انحطاطاً، كمن يرمي الناس بقاذوراته هو، لأن الحال الذي وصل إليه السودان، والدماء التي تقطر في كل مكان، والعذابات الإنسانية الهائلة، من صنعه هو، لكنه يريد التعمية على كل ذلك بجعل الجميع مثله هو في القذارة والوسخ !
إنه ذات مسلسل البذاءات الذي ابتدأه البشير بوضع دولٍ بأسرها “تحت جزمته” ثم راح يتسوّلها اسقاط دينه الخارجي ! ولا شكّ أن أيّ طفل غرير في السودان – الآن – يعلم من الذي تحت الجزمة الآن.وهو ذاتُ مسلسل البذاءات والانحطاط الذي لطالما عوّل عليه نافع علي نافع في خطاباته السياسية. وهو ذاته ما دفع مصطفى عثمان إسماعيل لاتهام الشعب السوداني بأنه شعبٌ من المتسولين، وحين نشرت صحيفة “الشرق الأوسط” تصريحاته حاول التملص منها، حتى ألقمته الصحيفة المذكورة حجراً بوضعها رابطاً صوتياً للتصريحات !
وهو ذاته مسلسل النتانة الذي جعل كمال عبيد يُظهر وجهاً لا إنسانياً بشعاً في حديثه عن منع “الحقنة” عن أيّ جنوبي في الشمال حال الانفصال !
وليس غريباً أبداً - في هذه الأجواء الموبوءة – أن يصف علي كرتي السيد الصادق المهدي بأنه “سجمان”، لأن علي كرتي بالفعل “رجلٌ سجمان” ! سجمانٌ لأنه لم يحس طيلة هذه السنوات العشرين بأنه اقترف أفعالاً منكرة، وأثرى على حساب اليتامى والأرامل، وقتل، واستعلى وفجر في الخصومة، وهدد وتوعد العالم بأسره، ثم انبطح انبطاحاً مخزياً لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية التي فتح لها خزانة أسراره “الإرهابية” وصار عميلاً لها بالوكالة، وعمل تحت إشرافها على اختراق حلفائه - بالأمس - في باكستان والعراق والصومال !
كرتي ورفاقه يستشعرون الخطر - الآن - بعد أن حانت لحظة انفصال الجنوب، وبعد أن فشلت محادثات السلام حول دارفور، وبعد أن أصيبوا بغرور بالغ بعد الانتخابات المزوّرة وظنّوا بعدها أن السلطة قد دانت لهم بالكامل، وأن قسماً مقدراً من الشعب السوداني ملتفٌ حولهم. لكن - لا شك - أن تقارير أجهزة أمنهم حملت إليهم ما أطار النوم من أعينهم، فالضائقة المعيشية - حتى قبل انفصال الجنوب - استحكمت، والانهيار قادم، وحزمة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة بشأن زيادة الجمارك، وستشمل قريباً زيادة الضرائب وغيرها من الإجراءات التعسفية، ستضعهم في مواجهةٍ مع الشعب السوداني. وهم بلا حول ولا قوة ولا حلفاء، لا في الداخل ولا في الخارج بما كسبت أيديهم. والانهيار الاقتصادي المتوقع سيصرف عنهم النفعيين والانتهازيين الملتفين حولهم الآن، لذا، فعقل “التنظيم” أُصيب بهلع بالغ، وتبيّن له سوء تقديرات الانتخابات، وسوء إدارة الأزمات كلها، والأسوأ من ذلك أن محاولاتهم كلها لجرّ رجل حزب الأمة إلى المشاركة في تحمل وزر الانفصال على هذا النحو، والمشاركة في استقبال الكوارث القادمة – من مواقع السلطة – كلها باءت بفشل ذريع، بل أن رئيس حزب الأمة رفض حتى المشاركة في الاجتماع الموسع الذي دعا إليه البشير، وكان من الطبيعي أن يسفر كل ذلك الاحتقان و”الخوف” عن وجه كرتي القبيح وبذاءاته التي تشبهه هو ونظامه الذي حانت لحظة حقيقته