حوار مع الدنيا
--------------------------------------------------------------------------------
قالت الدنيا : ماذا تريد يا عبدالله ؟ ها أنا ذا أمامك.
قلت وأنا متأسف : إنه ليحزنني أنني أحبك ، وأهواك ، ولا أستطيع أن أتركك .
الدنيا : إن هذا لشعور طبيعي ، ومن ادعى أنه لا يحبني فهو كاذب ، فأنا من خلق الله تعالى ، وأنا محبوبة إلى النفوس .
عبدالله : وهل أنا منهم ؟!
الدنيا : نعم ولكن فيك صفات طيبة ......
« الدنيا حلوة خضرة » فقد وصفني النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأني حلوة خضرة ، ولكني بالنسبة للمؤمن سجن له لقوله عليه السلام « الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ».
الدنيا : ليس المراد بالسجن هو السجن الحديدي ـ الذي تفهمه ـ وإنما هوالتقييد بما أمر الله ، وما السجن إلا قيد ، ولهذا قيل .....
« يا ابن آدم أنت في حبس منذ كنت ، أنت محبوس في الصلب ، ثم في البطن ، ثم في القماط ، ثم في المكتب ، ثم تصير محبوسا في الكد على العيال ، فاطلب لنفسك الراحة بعد الموت حتى لا تكون في الحبس أيضا ».
عبدالله : الله إنه لمعنى أدبي جميل . لقد فهمت الآن ـ ولكنّ ما سبب تسميتك بالدنيا ؟
الدنيا : لو علم الناس معنى اسمي لما فتنتهم زينتي : إنّ اسمي له معنيان : من الدنو : أي قريبة الزوال والانتهاء . ومن الدناءة : أي القبح إذا ما قارنتني بالآخرة .
عبدالله : وكيف أتعامل معك حتى لا أفتن ؟!
الدنيا : إنّ هذا السؤال خطير ، تجعلني أبوح بسر من أسراري . لأني أصطاد الناس أحيانا بالأموال وأحيانا بالنساء وأحيانا بالمناصب وكلّ ذلك من زينتي ، والزينة من صفاتها أنها مؤقتة ، وهل رأيت يوما زينة عروس دائمة ؟
عبدالله ( بشدّة ) : يا دنيا أجيبي عن سؤالي ولا تبتعدي ، فكيف أتعامل معك ولا أفتن ؟
الدنيا : مهلا يا صاحبي فلا تتعجل عليّ.
ـ ثم قالت : أهم صفة ينبغي أن تتوفّر في الذي يتعامل معي هي : « اليقظة والفطانة » .
فأنا حاضرة الملذات ، وحاضرة الشهوات ، فمن جعلني معبرا للآخرة فهو الناجي ، ومن جعلني مستقرا فهو الخاسر
فأنا دار بلاغ ولست بدار متاع وقد قال علي عليه السلام : « من أحبّ دنياه أضرّ بآخرته ومن أحب آخرته ، أضرّ بدنياه فآثروه ما يبقى على يغنى إذ لابدّ أنّ لا تضحّي لأجل الدنيا الفانية الآخرة الباقية ».