المسألة، يا أخا العرب، هي أن كثيراً من »الخبَّازين« في زماننا هذا أصبحوا يأخذون الحكمة الشعبية أعلاه، حرفياً وبدقَّةٍ باهرة، «والخبازون الذين أعني ليسوا هُم أصحاب المخابز وحدهم، بل خبازون رفيعو المستويات، رجال أعمال وكبار تجار ومؤسسات ضخمة، وحتّى متحصلي رسوم خدمات رسمية».. والدولة نفسها، يبدو أنها قامت بتضمين الحكمة الشعبية المذكورة في الدستور، فقد أصبحت لا تسألُ أحداً من خبازيها، إذا هُو جاءها بنصف الخُبز الذي طلبتهُ، بل تشكرهُ وتعطيه أجره كاملاً، بل يبدو أن نظرية «أدي العيش لخبازو» أصبحت هي النظرية السائدة في التعاطي الاقتصادي والإنتاجي على مستوى الدولة !!
- اجتهادٌ ما، يقف وراء المسألة برُمّتها، اجتهادٌ تسبَّبَ فيه الفشل الإنتاجي الذي هُو ثمرةٌ بدهيّة لوضع الناس في غير أماكنهم.. يبدو أنّ «بقرة الحكومة» لم تعد تُنتج لبناً، بينما تدرُّ بقرة الفلاح من اللبن ما يكفيه ويفيض.. الحكومة تلفّتت يميناً ويساراً، حكَّت رأسها، وسعلت سعلتين، ثم بعثت إلى الفلاح من يأتي به، ثم قالت لهُ بلا تردد:
خذ بقرتنا، بقرة الحكومة، واجعلها تدر لبناً، ولك نصفه، بجانب راتبك الشهري!!
طبعاً، لن يقول الفلاح »لا« للحكومة، ولن يعاني وخز الضمير، فصاحبة الحق هي التي تطالبه بأخذ نصف الإنتاج.. ولكن بعض أبقار الحكومة لم تدر لبناً حتى وهي في حظيرة الفلاح، فذبحها، وبعث بنصف اللحم إلى الحكومة، وبعضهم اشترى بقرة الحكومة بنصف ثمنها، ثم ذبحها وباع للحكومة اللحم بكامل ثمنه..
المهم، أصبحت الحكومة تبحث، كلما رأت ضعفاً في الإنتاج في مكانٍ ما، عن »خبَّاز« حاذق، يستطيع أن يتولى أمر الموقع ضعيف الانتاج، فيرفعُ إنتاجه إلى حدٍّ مُرضٍ، على أن يأخذ نصفه.. وهكذا، نشأت وظائف »خبازي الحكومة« الذين يعرضون عليها خدماتهم في مختلف المواقع، ولما لم يكن ممكناً تقنين الأمر رسمياً، حتى لا يطالب بقية الخبازين غير الحاذقين بذات النسبة، فيبدو أن الأمر بقي متروكاً لذكاء الخباز، عليه أن «يخارج» نفسه بشكل من الأشكال، إذا ما حشر أحد الأفندية غير ذوي الخبرة بالنظرية الجديدة، آنفه في الأمر ..
منقول