مالك علاءالدين عضو فعال
عدد الرسائل : 304 تاريخ التسجيل : 01/04/2011
| موضوع: المهجر والوطن ,,,,, الثلاثاء 12 أبريل 2011 - 4:30 | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
المهجر والوطن
( 3 )
صراع السلطة والمال فى الولاية الشمالية (2)
خرق دستوري وصيحة ثوار مدوية*
مواصلة لمقال الأسبوع المنصرم أقول بأنه لم يعد أمر الصراع بين مراكز القوى داخل الحزب الحاكم حول قضايا الولاية الشمالية سراً، فالحديث الذي ظل متداولا لفترة غير قصيرة من الزمن في مجالس المدينة نسمعه اليوم في الهواء الطلق وأصبح ينشر في الصحف إذ تؤكد الأخبار أن مغادرة المهندس مرغني صالح لمنصب الوالي ورحيل المهندس مكاوي عوض من إدارة شركة الكهرباء إضافة إلى استبعاد كل من عادل عوض والمهندس عطا المنان من الترشح لمنصب الوالي في الانتخابات السابقة فى ابريل 2011 م كلها مرتبطة بهذا الأمر . كما وأن الاجتماع الذي جمع عصام مرغني نائب دائرة وادي حلفا في المجلس الوطني مع أعضاء المؤتمر الوطني بمنطقة عبري يعكس جانبا من ذلك . ففي الاجتماع المذكور صب النائب جام غضبه علي إدارة السدود واصفاً إياها بالكاذبة لعدم احترامها للاتفاقيات مع المواطنين والمسئولين في الولاية ، معلناً بأنه سيتقدم بطلب لاستجواب وزير الكهرباء والسدود أسامة عبد الله عند بدء الدورة الجديدة للمجلس الوطني فى محاولة لاسترضاء أهل المنطقة المناهضين لقيام سد دال والذين قدموا مذكرة شديدة اللهجة معلنين رفضهم القاطع لما تقوم به الحكومة من ترتيبات لقيام السد وذلك عقب توقيعها عقدا مع إحدى الشركات الصينية .
وعلى الرغم مما ظل يتردد من أن اختيار الأستاذ فتحي خليل مرشحا لمنصب الوالي قصد منه احتواء الخلافات ، فقد اتضح أن الأمر لم يتعد مجرد تسكين للألم ، لتطفو الصراعات مرة أخرى على السطح . لقد قام البروفيسور محمد سعيد حربي وزير التنمية والاستثمار ونائب الوالي بإلقاء حجر في المياه الراكدة بتقديم استقالته من الحكومة بشكل مفاجئ بنهاية مؤتمر الاستثمار عبر صحيفة - آخر لحظة - متجاوزاً كل الأعراف التنظيمية مما أثار جدلا واسعا ، جعل الصحفي الطاهر ساتي يشبه الوضع باستقالة المذيعة اللبنانية التي قدمت استقالتها على الهواء مباشرة في نهاية إحدى حلقاتها التلفزيونية . لقد تفاءل أهل الولاية الشمالية كثيرا وهم يتابعون جلسات مؤتمر الاستثمار الذي تبارى فيه المتحدثون وفي مقدمتهم د . مصطفي عثمان والوالي ونائبة المستقيل ليؤكدوا بان الولاية موعودة بتنمية غير مسبوقة فى ظل توفر المصادر الطبيعة والمحفزات والميزات النسبية والتمويل إضافة لتسابق المستثمرين نحو الولاية . ولكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن ، فقبل أن يجف حبر التوصيات انكشف المستور بقيام نائب الوالي بمراجعة موقفه بصحوة ووازع من ضمير لتوضيح الحقائق المجردة للرأي العام وهو يرى بأم عينيه ما يمارس من تضليل بالحديث عن استثمار وتنمية لا تتوفر مقوماتها ولا تملك حكومة الولاية أدواتها . لقد كان البروفيسور حربي شجاعا وصادقا مع نفسه وهو يطلق صرخة ثوار مدوية محاكيا ثائر تونس - الذي نشاهده فى التلفاز يوميا هذه الأيام - وهو يردد في استقالته موجها حديثه للوالي كلمتي (هرمت ) و( تعبت) ثلاثة مرات ويجأر بالشكوى من تعدي أسامة عبد الله علي أراضي الولاية منوها إلى انه حاول مصارحة الوالي وفشل وتحدث لكبارهم للتدخل فى الأمر ولم يجد فى ذلك فتيلا . وفى محاولة لتبرئة ذمته أعلن نائب الوالي تحلله من القسم الذي أداه وزيرا بحكومة الولاية ومذكرا الوالي وأعضاء حكومته بالقسم الذي أدوه لخدمة الولاية ملوحا بالآية الكريمة ( وانه لقسم لو تعلمون عظيم ) لما لذلك من دلالات ، جعل الأستاذ فتحي خليل فى حيرة من أمره ويمتنع عن التعليق على الاستقالة فى حينه . وهكذا ذهبت أحلام أهل الشمالية فى التنمية الموعودة أدراج الرياح بتلك النهاية الدرامية للمؤتمر مؤكدة بان ما حدث ما هي إلا كذبة تخديرية كبري كتلك التي درجت الحكومة على إطلاقها من وقت لآخر تتجاوز بها الأزمات السياسية ، وهى كذبة لم يصدقها حتى من أطلقوها إذ تقف استقالة نائب الوالي دليلا على ذلك .
وفي الوقت الذي أشار فيه نائب الوالي إلى تغول أسامة عبد الله علي الأراضي ظل الوالي يدافع عن حق إدارة السدود في التعامل مع أراضي الولاية وهو يؤكد حق رئاسة الجمهورية في التدخل وتجاوز المساحة التي يمكن أن تمنحها الولاية لأي مستثمر. إن ما حدث من مغالطات بين الوالي ونائبه في المؤتمر الصحفي وما تلي ذلك من تداعيات تعكس حجم المأساة وتجسد أسباب وعمق الخلافات وأزمة الحكم التي يمر بها الوطن مجسدة في الولاية الشمالية . نقول مأساة لأن الولاية تواجه تحالفا بين قسوة الطبيعة و شح الموارد وضعف الخدمات الصحية والتعليمية وغياب التنمية ، وصراعات حكومية مريرة تشهد فصولها شدا وجذبا على أعلى المستويات ضاع معها مصالح المواطنين . وعلي ضوء هذه الواقع المؤلم فان الحديث عن الاستثمار ما هو إلا صيحة في واد سحيق ، إذ لا يمكن الحديث عن الاستثمار والتنمية في ظل ما يجري من خلافات بين مسئولين حكوميين على أعلى المستويات وما يجري بين الحكومة وأهل الولاية ملاك الأراضي من جهة أخرى ، ذلك أن الاستثمار والتنمية مرتبطان ارتباطا وثيقا بالأرض وما فوقها من استقرار مثلما يرتبط ذلك كله بما تحتها من ثروات . لقد أصبح واضحاً للعيان أن ضعف الأداء الحكومي في الولاية يعكس عرض لمرض، وقد شهد بذلك شاهد من أهلها ، حين صرح أحد أعضاء المجلس التشريعي بالولاية في الصحف فضل حجب اسمه إلى ضعف الأداء التنفيذي ، مشيرا إلى أن ذلك ناتج من أن الوالي ليست له علاقة بالعمل السياسي والتنفيذي الذي لم يمارسه من قبل، وأن غالبية الوزراء والمعتمدين الذين اختارهم ليست لهم تجربة سابقة ، وهم حديثو عهد بما أوكل إليهم من مهام . إن استقالة نائب الوالي وكذلك استقالة معتمد البرقيق وما يواجهه بعض المعتمدين من مشاكل على مستوى مجالس المحليات إضافة لما يدور من خلافات خلف الكواليس بين أعضاء المجلس التشريعي والجهاز التنفيذي بالولاية يؤكد عمق وتمدد الأزمة فى جميع مستويات الحكم أدى إلى تعطل دولاب العمل ومصالح المواطنين . بل هناك وللأسف من يشير بأن الخلاف بدا يأخذ بعداً جهوياً وقبلياً لم تالفة الولاية من قبل حيث لجأ فيه كل طرف إلي جهته وقبيلته كملاذ آمن يحتمي ويستقوي به وهو ما لم يكن في الحسبان . لقد أصبح فى علم الكافة أن الإنقاذ ترسخ للجهوية والقبلية في كل شبر من أرض الوطن ، تلتمس بها سياسة فرق تسد ووجدت تلك البضاعة الفاسدة رواجا فى بعض الولايات لتكون مدخلا لفتن كبرى قامت على أثرها الحروب كما الحال فى دارفور ولكني أراهن على فشلها في الولاية الشمالية للدرجة العالية من الوعي الذي يتمتع بها مواطنو الولاية وقوة الترابط الأسرى وتماسك النسيج الاجتماعي .
في ظل هذه الأحداث يصبح من المؤسف حقا أن تصدر تصريحات غير مسئولة بكل المعايير من مسئولين على قمة السلطة الحاكمة لتؤكد على صحة المسكوت عنه فى محاولة لصب الزيت على النار في الولاية الشمالية؟ !! فهاهو مستشار وزير الإعلام ربيع عبد العاطى يؤكد وجود خلاف بين الولاية ووزارة الكهرباء والسدود، ويذهب لأكثر من ذلك وهو يدافع عن حق وزارة الكهرباء والسدود في مصادرة أراضي الولاية ، باعتبار أن أمر السدود أمر اتحادي له ارتباط ببعض القضايا ، ولا غرابة أن تتصرف إدارة الكهرباء والسدود في أراضي الولاية . ومن الواضح أن الرجل أراد أن ينتصر لأحد إطراف الصراع على حساب الطرف الآخر وحقوق سكان ولاية بأكملها ربما فى إطار مصالح مشتركة متجاوزا النصوص الدستورية والقانونية التي تنص على حقوق الولاية ومواطنيها فى ملكية واستثمار أراضيهم وهو موقف ينمى عن سوء في التقدير وتأكيد لعدم المسؤولية إن لم يكن جهلا بالدستور والقانون.
لقد قصدنا من مقالنا السابق وما نكتبه اليوم تبصير الرأي العام السوداني بما يجرى من تعد على الحقوق وما يمارس من ظلم على مواطني الولاية الشمالية وانعكاسات ذلك على المستوى القومي لاتصال ذلك بمخالفات وخروق دستورية ، ذلك أن القرار206 لسنة 2005 الخاص بمصادرة الأراضي الصادر من رئاسة الجمهورية وكذلك محاولات تنفيذ بناء السدود يشكلان تجاوزا واضحا وتدخلا سافرا فى صلاحيات الجهازين التشريعي والتنفيذي فى الولاية . لقد حددت المادة ( 26 ) من الدستور الانتقالي لسنة 2005 الروابط بين مستويات الحكم القومية والولائية مع التأكيد على ضرورة عدم تعدى أي من المستويين على الآخر وعلى أن تكون العلاقة بينهما فى إطار التواصل والتعاون . كما حددت المادة ( 186 ) صلاحيات مستويات الحكم على أن تتولى ممارسة الحقوق التي يملكها حكومة السودان مستوى الحكم المعنى مع صلاحياتها فى تطوير وتعديل القوانين ذات الصلة بالأرض على أن تتضمن الممارسات والقوانين العرفية والتراث المحلى والتوجهات العالمية . إن حق الولايات وسلطاتها على أراضيها لا جدال حولها حيث فصل الجدول ( ج ) الملحق بالدستور الاختصاصات التنفيذية والتشريعية لكل ولاية من ولايات السودان وقد نصت الفقرات ( 8 ) و ( 13 ) و ( 23 ) و ( 36 ) من الجدول على التوالي حق الولاية ومسئوليتها عن أراضيها ومواردها الطبيعية , وإدارة الأراضي التابعة لها وإيجارها واستغلالها ، والقوانين المتعلقة بالزراعة داخل الولاية والري ، وإقامة السدود على الصعيد الولائى . وضمانا لعدم تداخل الاختصاصات بشان الأراضي على المستوى القومي والولائى نص الدستور فى المادة ( 187) منه على إنشاء مفوضية قومية مستقلة للاراضى تختص بالتحكيم بين الأطراف المتنازعة وتطبيق القوانين المعمول بها فى المنطقة كما تختص بإسداء النصح لكل مستويات الحكم بشأن تنسيق سياستها تجاه المشروعات القومية التي تؤثر على الأرض وعلى الحقوق فيها . وعليه فان ما تم بشان مصادرة الأراضي ومحاولة فرض بناء السدود مع تجاوز السلطتين التنفيذية والتشريعية فى الولاية يشكل خرقا دستوريا بواسطة من يفترض فيهم أن يكونوا حماة له. كما يلاحظ بان الحكومة قد غضت الطرف عن تكوين المفوضية القومية للأراضي بالشكل الوارد فى الدستور حتى تتمكن من ممارسة صلاحياتها التي اشرنا إليها سابقا .
إن التعدي على صلاحيات الحكم وحقوق المواطنين فى الولاية نتيجة لصراع السلطة والمال يفتح بابا خطيرا لفتنة لا تبقي ولا تذر . إن الولاية الشمالية أرضا وإنسانا ومكانا أمانة تاريخية في أعناق أبنائها عليهم الحفاظ عليها في إطار من الحكمة والمسئولية والعمل لوقف الفتنة ولجم شهوة كل من يتجرأ على مصادرة الحقوق الدستورية والقانونية لأهل الولاية أو محاولة إصدار أحكام في قضاياهم حتى لا تتحول قضية الأرضي والسدود إلى مطالب أعلي سقفا تستهدف تخليص الولاية من المتسلطين والظلمة ودعاة الفرقة والشتات ونأمل ألا يأتي اليوم الذي يتحدث فيه الناس بان ذلك أصبح فرض عين .
أرى تحت الرماد وميض نار وأخشى أن يكون لها ضرام
ولنا عودة
· مستشار قانوني وكاتب
* جريدة الخرطوم العدد7648 بتاريخ 10 ابريل 2011 م الموافق 5 جمادى الاولى 1432 ه يوم الأحد | |
|
مالك علاءالدين عضو فعال
عدد الرسائل : 304 تاريخ التسجيل : 01/04/2011
| موضوع: رد: المهجر والوطن ,,,,, الثلاثاء 12 أبريل 2011 - 4:36 | |
| المهجر والوطن .... مقال أسبوعي ... للكاتب والمستشار القانوني ,, البشرى عبد الجميد . يسلط من خلاله الضؤ على مجمل هموم أهلنا في الولاية الشمالية بصفة خاصة . ويعكس كثيرا من ما خفي عنا على الاقل ( المغتربين ) من أبناء الولاية . ونحن كجزء لا يتجزأ من هذه الولاية رايت أنه ربما يكون من المفيد أن أنشر هذا المقال في هذا المنتدى أسبوعيا . خاصة وأن الكاتب قد زار منطقة الغابة وربما يتعرض لها لاحقا بما تعانية كبقية مناطق الولاية من مشاكل . ربما تأخرت قليلا في إنزال هذا المقال ولكن لكم العتبى .. | |
|