الفنان / أبو عركي البخيت
--------------------------------------------------------------------------------
لم تزل ودمدني000 مدينة الإبداع والمبدعين تلك00 تواصل عطاءها للسودان دون مَنٍ أو أذي000فها هو ذاك الفتي000 أبوعركي البخيت يتحرك من تلك المدينة بالقطار في بداية ستينيات القرن الماضي صوب الخرطوم ،وقد كان مصمماً أن يصمد وألا يتراجع عن الدرب الذي إختاره0 ليبدأ من هناك الرحلة00رحلة العطاء في عالم الفنون والموسيقي ، فلم ينتبه له أحد في سنواته الأولي بالعاصمة إلا أهله 00أهل ودمدني الأوفياء الذين ظلوا يتابعون خطاه عبر المذياع وعبر القليل من الأخبار بالصحف التي كانت قليلة العدد وعبر المجلة الإسبوعية الوحيدة (هنا أم درمان) التي كانت تصدرها وزارة الإستعلامات والعمل ، ثم تحول إسم المجلة إلي مجلة الإذاعة والتلفزيون بعد إفتتاح التلفزيون000ولكنه ظلّ مصمماً علي تحقيق النجاح، فكان نتاج ذلك التصميم نجاحات متعددة يتزايد معدلها عاماً بعد عام0
كانت البداية صعبة000 وكانت أغنياته الأولي طريق الماضي00ورائعة عمر أحمد (كان بدري عليك)000ثم إبداعه في إحياء عزة الخليل (عزة في هواك) التي أضاف لها بعداً موسيقياً ولحنياً عالي الرقة00فساع! د في إنتشارها بعد أن كادت تندثر ، وهاهو يكتب له ذلك الشاعر الرائع فضل الله محمد وهو لايزال طالباً بعد بالحقوق بجامعة الخرطوم في منتصف الستينيات أغنية (وعد) والتي كانت تقول:
بوعدك ياذاتي 00يا أقرب قريبه
بكره أهديك 00دبلة الحب والخطوبه
***********
وعد00 من قلبي وإردتي
ومن ضميري
مافي زول شاورني
ماشورت غيري
كل كلمه00أقولا
بتعذب ضميري
هي البريده00
وهي حتواجه مصيري
********
ولقد أحسن الجمهور إستقبال تلك الأغنية بمفردات لغتها التي كانت جديدة آنذاك والتي كانت بمثابة مؤشر للمقدرات اللحنية وتميز هذا الصوت الجديد الذي لايشبه إلا نفسه ، ولاينافس في الساحة الفنية إلا نفسه وقد ظل كذلك حتي الحظة 0
وعند إفتتاح المعهد العالي للموسيقي والمسرح لم يتردد أبوعركي البخيت في الإلتحاق به ، لا لشيء إلا لإيمان هذا الفنان الواعد بأن موهبته تلك ، يجب صقلها بالعلم 00والعلم وحده ، فكان له ما أراد00فوجد التأهيل الأكاديمي من المعهد ، ووجد أيضاً شريكة دربه في ذات المعهد ، تلك السيدة ذات الصبر الشديد والشفافية العالية والإرادة الحديدية والثقافة ال! رفيعة العالية والطموح المشروع (دكتورة عفاف الصادق)00والتي كان لها فيما بعد عدة أعمال شعرية وجدت هوي عند الزوج الفنان فغرد بها لجمهوره0 وفي أثناء دراسته بالمعهد بدأت مواهبه وإمكانياته المختفية تظهر أكثر فأكثر في شكل أعمال بدأت تعطي ثمارها ، فجاءت :
الجميل السادة00وضاح المحيّا
إبتسَم يوم شفتو00ماقبلان تحية
من دلالو00واللا مالو؟؟؟
كانت موسيقي الأغنية تنساب بكل هدوء ، فطرب له الجمهور ، فتحمس عركي فأردفها بتلك الأغنية الأجمل والتي ظلت تسأل وتلح في طلب الإجابة:
جسمي إنتحل00كيف العمل؟؟؟
هو إنت الطبيب00عندك شفاي
وأشرب براي00منك شفاي
أشرب براي 000عسل النحل
***********
حن ياطبيب 00وأعطف علي
وريني 00ما سبب الألم
أعطف علي00وأرحم عيني
قالوا الشفاء00دونك عدم
فكانت هاتين الأغنيتين بمثابة بدايات يتلمس بها فناننا طريق النجاح 0
وذات مره فاجأ أبوعركي كل الجمهور الفني بعمل مميز كان من تأليف عملاقنا الأستذ عبدالكريم الكابلي نصاً ولحناً ، فأضاف له ابو عركي من نكهته المعروفة ألقاً زائداً ، فإنتقل بذلك العمل الغنائي الجديد إلي آفاق أكثر رحابة من قبل ، فكانت أغنية (جبل مرّة) هي النقلة النوعية في (باقة ور! ود ) أبو عركي بكل ماتحكيه مفردات الأغنية عن روعة طبيعة سلسلة جبل مرّه البديعة في جنوب غرب بلادنا الحبيبه ، فكانت تلك الأغنية التي كم كنا نرددها ونحن لا زلنا طلاباً بالخرطوم آنذاك في بداية السبعينيات من القرن العشرين:_
مرسال الشوق00 ياالكلك ذوق
أغشي الحبان 00في كل مكان
قول ليهم شفنا00جبل مَره
وعشنا اللحظات00حب ومسرّه
بين غيمه تغازل00 كل زهره
وخيال رمانه00علي المجري
**********
لوحة فنان00تمحي الأحزان
صُفره وخـُضره00ُزرِقه وحُمره
حلوه ونضِره00وزفة ألوان
بين غيمه تغازل00كل زهره
وخيال رمانه00علي المجري
مرسال الشوق
*************
ثم تتوالي الأوصاف في تلك الأغنية الضخمة جداً وتحكي في وصفها عن طبيعة الجبل وجمال الطبيعة وسحرها ، وللينابيع التي تتفجر من بين ثنايا تلك السلسلة ، فهنا يأتيك ماء عذب لذة للشاربين ، وهناك ماء مالح مابين صخرة وأخري، وتقابلك أشجار الفواكه التي تنمو طبيعياً وتشرئب بأغصان ثمارها لتصبح قطوفها دانية ، فكانت وستظل قدرة الخالق جلّ وعلا بائنة في تلك المناطق البكر التي تمتليء بكل ألوان النبات والطيور ال! موسمية 0 وتتواصل إشراقات مفردات الأغنية مع ترانيم أبوعركي الذي أكسبها هدوءاً رائعاً يأتي منسجماً مع الوصف:
وزهر ناير00نادي وبسّام
بالحيل داير00ريشة رسام
جيرانو جداول00هيمانه
وصنوبره00نادية وريانه
كزمرده00في صورة بانه
ورتنا العزيزه00العاجبانا
الدرنا تكون00هسه معانا
وتشوف بعيونا00النعسانه
وتتم الصوره 000الفنانه
ثم يختتم تلك الرائعة بالشكر لله تعالي لهذا الإبداع الرباني الساحر والآسر حيث يرتفع صوت أبوعركي بالدعاء لروعة هذا المشهد الذي يصور به الكابلي جمال الطبيعة في جبل مره:_
ونقول ياربنا 00ياقادر
يا واهب كل شيء00نادر
يااللفنان000أمرك صادر
تجمعنا كمان00مره00ومره
بين الحبان 00في جبل مره
بين غيمه تغازل00كل زهره
وخيال رمانه00علي المجري
مرسال الشوق
000وبعد تلك التحفة الفنية نصاً ولحناً وأداءً وتطريباً ، أصبح للفنان أبوعركي مكانة خاصة وعالية المقام في قلوب وعقول الجمهور المحب للفنون والأدب والموسيقي في بلادنا المبدعة في كل شيء فخاطب بها قلوب الشباب وطلاب الجامعات ، مما زاد من مسؤولية الفنان تجاه جمهوره وتجاه حركة الفنون في مجملها ، وكان لابد لهذا الفنان أن يكون قدر التحدي 00لا تر! اجع للوراء00لا تكاسل بعد تحقيق تلك النجاحات 00لا إنقطاع عن مواصلة الإبداع والإبتكار الجاد0
ونحن عندما نكتب عن الفنان أبوعركي فإننا نعرف أنه جاداً ومسؤولاً ومجتهداً 00نعرف تفاصل ذلك لأن أبوعركي تربطنا به أجمل الذكريات وأقوي وأرقي نوع من أنواع العلاقات العائلية التاريخية التي تعود لأربعين عاماً إلي الوراء لايمكن أن تنمحي من الذاكرة ، فهو قد كان صديقاً وأخاً وفياً لأخي الراحل الفنان الإنسان حسن الباشا ، ولن ننسي كيف أسرع بالحضور من الخرطوم إلي بركات فور سماعه برحيل صديق عمره حسن الباشا في مايو من عام 1997م ، أتي ابوعركي وفي رفقته الأخ الوفي عازف الكمان الماهر عذ الدين فضل الله وكانت الدموع تنهمر من مآقيهما لتقديم واجب العزاء في رفيق دربهما الراحل المقيم، مما كان له وقع جميل في أوساط كل أهل ودمدني وبركات وإتحاد الفنانين بالجزيرة الذي أسسه الفقيد الراحل0لذلك نحن نكتب عن ابوعركي لأننا نعرف جيداً حجمه الإجتماعي ووفائه لأصدقائه وحبه وإخلاصه لدوره الإبداعي ، مما إستدعي العديد من معجبي فنه أن يؤسسوا في زمان مضي (جمعية أصدقاء ومعجبي الفنان أبوعركي البخيت) 0
ثم اتي أبوعركي برائعت! ين ، كان أن قد ظهر بهما في عام 1972م في سهرة تلفزيونية كان يقدمها وقتذ اك المذيع اللامع الذي هاجر إلي أمريكا (متوكل كمال) صاحب برنامج (أمسيات) التاريخي ، فكانت بمثابة تحول ضخم في مسيرته000
منقول : كتب بقلم صلاح الباشا... الدوحة من المجلة السودانية