طه: الشعبية لم تدخل الخرطوم فاتحة
علي عثمان محمد طه (الجزيرة نت)
حاوره: محمد طه البشير
قال علي عثمان محمد طه نائب الرئيس السوداني في حوار مع موفد الجزيرة نت إلى الخرطوم، إن ترتيبات اتفاقية نيفاشا عملت على تعزيز الوحدة لو كانت النوايا من قبل الحركة الشعبية لتحرير السودان موضوعية.
وأشار إلى أن الانفصال إذا وقع فهو "بسبب الضغوط الأجنبية على الحركة التي تريد أن تجير الجنوب لتغيير ما لم تنجح في بلوغه في السودان كله عبر ترتيبات اتفاقية السلام".
وقال طه -الذي وقع اتفاقية نيفاشا مع الزعيم الراحل للحركة الشعبية لتحرير السودان جون قرنق في يناير/كانون الثاني 2005- ردا على سؤال عن ما إذا كانت الإنقاذ ستعود للمربع الأول بعد انقضاء نيفاشا، إنه "ليس هناك من سبب لهذه الخشية لأن الإنقاذ كانت وما زالت تقود البلاد بالتفويض الشعبي وبالالتفاف الشعبي وليس عن طريق أي قوانين استثنائية أو إجراءات تعسفية".
تاليا نص الحوار:
قطار نيفاشا يبلغ آخر محطاته، وهناك دائما فرق بين النصوص والتطبيق على أرض الواقع، إلى أي مدى أنتم راضون عن تنفيذ الاتفاقية؟
الاتفاقية كأي فعل سياسي لها ظروف محيطة ومناخ تم إنجازها فيه، وهناك مضمون لهذه الاتفاقية وهناك أطراف، هذه ثلاثة عوامل تتحكم في نجاح أي ترتيب سياسي، الناظر إلى المناخ الذي وقعت فيه الاتفاقية يجد أنها جاءت بعد حرب طويلة امتدت 22 عاما، سبقها ومهد لها وقف إطلاق نار محدود فيما عرف باتفاق مشاكوس الإطاري الذي تعرض أيضا لبعض النكسات من خلال خروج الحركة الشعبية عليه بإقدامها على دخول مدينة توريت (أقصى جنوبي السودان) رغم وقف إطلاق النار، مما أعاد القتال ولكن وقع التزام بعد ذلك بوقف إطلاق النار، هذا هو الظرف الأول وهو طول أمد الحرب.
العامل الثاني هو رغبة الأطراف المحلية والإقليمية في أن لا تعود الحرب مرة أخرى لما أفرزته من آثار سالبة على السودان وما كانت تهدد به من اتساع دائرتها مما يؤثر على الإقليم ودول الجوار. الأمر الثالث كان ما بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول حيث كان هناك توجه لدى الولايات المتحدة لتقليل أو تجفيف بؤر القتال التي يمكن أن تؤثر على مصالح أميركا الحيوية في هذا الجزء من العالم، نذكر هذا الجانب فقط لنشير إلى أن الجانب الأميركي كان هو الطرف الذي يتحكم في قبول الحركة الشعبية أو رفضها لوقف القتال.
هل يعني ذلك أن الجانب الأميركي مارس ضغوطا عليكم وعلى الحركة؟
لا، هو مارس ضغوطا على الحركة لأنه لم يكن يملك علينا شيئا، الحركة هي التي كانت تبتدر القتال وكانت تصر على استمرار القتال، نحن كنا نبحث عن السلام وندعو إلى وقف إطلاق النار منذ عام 1989 وفي جولات مشهورة في أديس أبابا وفي جولات التفاوض الأولى في أبوجا بنيجيريا في مطلع التسعينيات، لكن الحركة كانت تصر على استمرار القتال تنفيذا للموقف الأميركي الذي كان شعاره المفاوضات في ظل استمرار الحرب (فايت آند توك)، ولكن بعد 11 سبتمبر تغير هذا الموقف الأميركي فانعكس ذلك على موقف الحركة التي كانت تتأثر بالموقف الأميركي سواء الرسمي أو اللوبي الأميركي في هذا الشأن، هذا هو المناخ.
بشأن الاتفاقية، التي استغرق التفاوض حولها 16 شهرا منذ أغسطس/آب 2003 إلى يناير/كانون الثاني 2005، أنضجت فيها المسائل على مهل وجرى فيها تفاوض استغرق أسابيع وأشهرا في كل من البروتوكولات المختلفة الستة، ثلاثة منها متعلقة بالجنوب وهي الترتيبات الأمنية والمشاركة في السلطة والمشاركة في الثروة، وثلاثة بروتوكولات للمناطق الثلاث وهي منطقة جنوب كردفان أو جبال النوبة، ومنطقة النيل الأزرق ومنطقة أبيي.
بالنسبة للأطراف كان هناك خلال هذه الفترة لجان فرعية تضم ممثلين من وفود الجانبين إلى جانب الوسطاء سواء على مستوى منظمة الإيغاد أو ما عرف وقتها بأصدقاء الإيغاد أو شركاء الإيغاد لاحقا، وهي المجموعة الأوروبية والولايات المتحدة.
هذه هي الاعتبارات الثلاثة، بعد توقيع الاتفاقية حدثت متغيرات. المتغير الأول الرحيل المفاجئ لقائد الحركة الشعبية جون قرنق، وهذا ألقى بظلاله لأن قرنق بما له من نفوذ وهيمنة مؤثرة على قيادة الحركة كانت كثير من خلفيات النصوص والترتيبات التي جرى التفاهم بيني وبينه حولها في صدره وفي عقله وعنده، لم تكن متاحة لبقية أعضاء الوفد، ومن هنا فقد أحدث هذا فراغا ملأ من بعد ببعض الأشخاص الذين لم يكن لهم نفس الروح ونفس التوجه ونفس الإلمام بالتفاصيل وبالتفاهمات التي أدت إلى النصوص التي تم التوقيع عليها، لأن كل نص هو وليد تفاهم وحوار طويل مسجل في المحاضر، وبعضه يتجاوز المحاضر لأنه لقاءات مستمرة ومكثفة، هذا العامل الأول الذي أثر في تنفيذ الاتفاقية.
هذا يقودني إلى سؤال: هل وقعتم مع جون قرنق وكنتم تأملون في تغليب خيار الوحدة لأن قرنق كان وحدويا وكان بإمكانه فعلا إنجاح الوحدة؟
في تقديري أن جون قرنق كان مع الوحدة بمفهومه الخاص وهذا لم يكن خافيا حيث عبر عنه في مشروع السودان الجديد، وطبعا مسار الأحداث من بعد.. قدرة الحركة على أن تتفاعل مع معطيات الواقع الذي تريد تغييره نحو السودان الجديد هو الذي يختلف الناس في تقدير مدى تأثير غياب قرنق عليه، لأن الفعل السياسي في تنفيذ الاتفاقية من بعد لم يكن يقل أهمية عن مناقشة الاتفاقية نفسها والوصول بها إلى التسوية، وكذلك فإن التقدير يتفاوت في أنه إذا ما اتضح لجون قرنق -كما تقول بعض عناصر الحركة الآن أو بعض المحللين- أن الوحدة لم تكن جاذبة بما يكفي فإن موقف جون قرنق ربما كان مختلفا، لأن طموح الرجل هو أن يصل إلى أن يحكم السودان وقد كان مشروعه ليس فقط إحداث تغيير في السودان ولكن أن يكون هذا التغيير مرتبطا بشخصه، وفي تقديري أن قرنق كان رجلا طموحا وليس هذا عيبا وكان يتميز بسياسة النفس الطويل بدليل أنه قاد حربا لأكثر من عشرين عاما، وفي تقديري أنه ربما لم يكن ليستسلم ويلجأ إلى الانفصال لمجرد أن نتائج الانتخابات أو أن بعض الترتيبات لم تجر حسب تقديراته وإنما كان سيظل يحاول حتى يصل إلى ما يبتغيه.
في إطار تنفيذ الاتفاقية أيضا يلاحظ تأخر تشكيل بعض آليات الاتفاقية مثل قانون الاستفتاء ومفوضية الاستفتاء ومفوضية ترسيم الحدود مما أثر على المدة الزمنية لعملها، هناك من يقول إن نيفاشا اهتمت كثيرا بالجداول وبالمفوضيات دون أن تراعي التطبيق الزمني لهذه الآليات، ما رأيكم؟
هذا الأمر على وجه العموم صحيح، وفي تقديري أن ذلك يرجع إلى أن القضايا لم تكن تناقش مجتمعة وإنما الأسلوب الذي اتبع في التفاوض هو أن يطرح كل محور وتتم مناقشة تفاصيله ويتفق عليه بشكل شامل ثم يصار إلى المحور الثاني، الترتيبات الأمنية أولا وما تقتضيه من آليات ومن لجان ومن مفوضية ثم يأتي ملف السلطة وهكذا، هذا في نهاية المدة طبعا أفرز تراكما للعديد من الآليات ومن المفوضيات، وبلا شك إن اتفاقية السلام هي حزمة معقدة ومركبة بتفصيل أدق للعديد من المسائل التي كانت تحتاج إلى وقت أكثر، وهذه نقطة حيوية لأن قضية تحديد الفترة الانتقالية بست سنوات كان منذ البداية موقفنا في المؤتمر الوطني من منظور أننا جربنا إدارة الحكم لـ15 عاما سبقت توقيع الاتفاق، كنا نرى أن حساب الوقت وأنت في السلطة يختلف عن تقدير الشخص الذي هو في المعارضة أو الذي لم يجرب الحكم، ولذلك طرحنا هذه النتيجة وهذه الخبرة، واقترحنا بموجب ذلك أن تكون الفترة الانتقالية عشر سنوات، كنا نرى أن الست سنوات فترة قصيرة، ولكن استعجال الحركة وطموح قيادة الحركة إلى أن تحصل الثمار التي تصل إليها من نتائج الاتفاقية، والضغط الداخلي للحركة والضغط الخارجي للأطراف التي كانت تريد أن تستخدم الاتفاقية لمآرب وراء الاتفاقية، دفعت في اتجاه تقصير المدة الانتقالية، ويحسن هنا أن أشير إلى أنه في الوقت الذي طرحنا فيه عشر سنوات طرحت الحركة سنتين ولذلك الحل التوفيقي جاء على طريقة جمع المدد وقسمتها فجمعت عشرة زائد اثنين فجاءت هكذا ست سنوات.
يلاحظ أيضا تأخر...
فقط دعني أشير إلى أنه حتى في خلال هذه السنوات الست فإن الاضطراب في مواقف الحركة الشعبية وتباين التيارات في داخلها قد جعل الاتفاق معها على تشكيل هذه المفوضيات والآليات التي نصت عليها الاتفاقية أمرا صعبا استغرق وقتا يقارب الوقت الذي أنفق في أصل الاتفاقية ذاتها، وخير مثال على ذلك ما أشرت إليه من مفوضية الاستفتاء وقانون الاستفتاء لأن تعنت الحركة في الوصول حول بعض التفاصيل وبعض بنود هذه القوانين أخّر كثيرا جدا الوصول إلى الاتفاق النهائي، ولعل من أبرز ذلك ما وقع حتى بعد تشكيل المفوضية من ضياع أسابيع عديدة في اختيار موظف إداري وهو بمثابة الأمين لمفوضية الاستفتاء.
يلاحظ أيضا أن بروتوكول المشورة الشعبية لسكان ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق لم ينفذ بصورته النهائية، وهذا يقودنا أيضا إلى الترتيبات اللاحقة بشأن هذا البروتوكول بعد انقضاء الفترة الانتقالية.
من حيث التوقيت ليس هناك تأخير لأنه صدر أولا القانون الذي ينظم المشورة الشعبية واتفق عليه وأجيز من المجلس الوطني باتفاق الشريكين، القانون والاتفاقية ينصان على أنه يتم إجراء المشورة الشعبية بعد الانتخابات العامة وأن تكون الآلية التي يتم عبرها إجراء المشورة الشعبية مفوضية خاصة ينشئها المجلسان الولائيان المنتخبان، إذن ليس هناك تأخير، لأنه الآن بالنسبة للنيل الأزرق جرت الانتخابات وجرى تشكيل المفوضية، وبدئ الآن في الحوار والترتيب والإعداد لمنظور ومفهوم المشورة الشعبية وإجراءاتها. بالنسبة لمنطقة جنوب كردفان بسبب أيضا مواقف الحركة الشعبية عطلت إجراء الإحصاء السكاني القومي في زمانه في جنوب كردفان مما اضطر الدولة إلى إجراء إحصاء تكميلي لاحقا ظهرت نتيجته قبل شهر، هذا أدى إلى تأخير الانتخابات بمنطقة جبال النوبة أو جنوب كردفان نتج عنه أن المشورة الشعبية سترجأ إلى حين انتخابات المجلس التشريعي الولائي ومن ثم إنشاء مفوضية المشورة الشعبية عبر المنتخب عندئذ. وفي كل الأحوال فإن المؤمل، وهناك فرصة، أن يتم إجراء المشورة الشعبية قبل نهاية الفترة الانتقالية في يوليو/تموز 2011.
الحركة الشعبية تتهمكم بإفشال الوحدة الجاذبة التي نصت عليها اتفاقية السلام، ما ردكم؟
الوحدة الجاذبة أولا نص عام يضع المسؤولية على الطرفين وهذا كان في المبادئ العامة التي أسست لتفاصيل الاتفاق، والمفهوم الواضح أن تلك الوحدة الجاذبة هو تلك الوحدة التي تمكن جنوب السودان من إدارة شأنه المحلي بصلاحيات واسعة في إطار لامركزي أو إطار فدرالي، وهو ما ظل جنوب السودان يطالب به منذ الأربعينيات أو منذ مطلع الاستقلال بأن تكون له مساحة واسعة من الحكم الذاتي، وهذا تحقق بقدر كاف حتى إن علماء السياسة والقانون الدستوري قد لاحظوا أن الصلاحيات التي منحت للجنوب من خلال بنود الاتفاقية تتجاوز الأنماط المعروفة فيما يسمى بأنماط الحكم الفدرالي أو الحكم اللامركزي، حتى إننا في أثناء المفاوضات حتى نتغلب على هذه النقطة اتفقنا على أننا بدلا من أن ندخل في جدلية المصطلحات، هل هذا هو حكم لامركزي أو حكم فدرالي أو حكم أعلى من ذلك، قلنا فلنتفق على الصلاحيات وعلى ما يجعل الجنوب يشعر بالرضا من حيث قدرته على إدارة شأنه الإقليمي وليسمه بعد ذلك علماء السياسة والقانون ما شاؤوا، فإذن من هذا الباب فإن هذه الصلاحيات هي واحدة من أكبر أو هي العمود المرتكز في جعل الوحدة جاذبة لأنك عندئذ تدير شأنك بصورة كاملة، والدليل على هذا أنه حتى لو وقع الانفصال فإن الجنوب لن يستكمل صلاحيات مفقودة لم توفرها له الاتفاقية سوى رمزيات السيادة لبلد مستقل، ولكن حكومة الجنوب هي حكومة تشرع من خلال مجلس تشريعي دون أي ارتباط دستوري بصلاحية رئيس الجمهورية المركزي أو للبرلمان المركزي، فسلطتها إذن في التشريع كاملة مجالسها التشريعية كذلك، حكومتها تنتخب بواسطة البرلمان ورئاسة الحركة الشعبية دون تدخل من المركز أو من رئاسة الجمهورية المركزية فليس هناك ما يمكن أن يقال إن الوحدة لم تكن جاذبة من هذا الباب.
إضافة إلى هذا هو الشكوى من أن الجنوب لا يشارك في إدارة الشأن القومي الوطني الكلي بمساهمة حقيقية، وهذا قد نصت عليه الاتفاقية وأعطت الجنوب مساحة مقدرة في كل مستويات الحكم المركزي بشكل غير مسبوق..
هم يقولون إنه لم يحدث تغيير في هيكلية الدولة، حاولوا تغيير بعض القوانين ولم يسمح لهم بذلك.
هذا غير صحيح وتنقصه الأدلة ويمكنك أن ترجع إلى قائمة التشريعات التي صدرت خلال هذه الفترة وستجد أن كل القوانين التي نصت عليها الاتفاقية قد صدرت. كل القوانين التي تشكل ملامح للانتقال وتشكيل المناخ الجديد قد استوفيت، ليس صحيحا أن يقال إن الحركة الشعبية قد دخلت الخرطوم فاتحة أو أنها تلغي وجود القوى السياسية الأخرى، ولذلك إذا لم تجد ما تتطلع إليه بنسبة مائة بالمائة تصف المسألة بأنها فاشلة، هذا في السياق الديمقراطي غير وارد ولا يؤهلها لأن تقضي بذلك، فهي لا تمثل أغلبية أهل السودان وحتى لو افترضنا أنها تمثل كل أهل الجنوب فنسبة الجنوب لا تتجاوز الثلاثين بالمائة أو دون ذلك.
هل تتحملون مسؤولية فصل جنوب السودان؟
مسألة فصل جنوب السودان هذه مسألة تراكمية، ليست ناشئة جراء الاتفاقية فقط، بل على بالعكس نحن نقول إن ترتيبات الاتفاقية لو أن النوايا كانت من قبل الحركة موضوعية لتعززت الوحدة، وهذا ما نصت عليه الاتفاقية وما التزمت به الحركة عند توقيع الاتفاقية، لكن من الواضح أن الانفصال يمكن أن يقع بسبب الضغوط الأجنبية التي تريد أن تجير الجنوب لتغيير لم تنجح في بلوغه في السودان كله عبر ترتيبات اتفاقية السلام كما فشلت أيضا نفس الأجندة عبر ترتيبات الحرب.
الأمر الثاني أن الانفصال يأتي نتيجة تراكمات نفسية عند شرائح من الجنوبيين لعبت فيها العناصر الانفصالية على وتيرة التحرر والانعتاق من هيمنة الشمال التاريخية على حين أن الاتفاقية قد حققت هذا الانعتاق بشكل موضوعي كما حاولت وصفه فيما يتعلق بالإدارة الذاتية لشأن الجنوب.
الأمر الثالث هو أن الانفصال أو تقرير المصير لم يكن أمرا اختصت به نيفاشا ولا حتى بروتوكول مشاكوس الذي سبق نيفاشا وأسس لمبدأ تقرير المصير كاتفاق، ولكن قضية تقرير المصير الذي يتضمن حق اختيار الانفصال هو مبدأ سياسي دخل قاموس السياسة السودانية منذ وقت طويل منذ نحو 15 عاما، حينما جرى الاتفاق عليه في فرانكفورت مع جانب من الحركة، وحينما تبنته القوى السياسية بعد ذلك في إعلان قبولها للمبدأ في مقررات أسمرا الشهيرة وبعد عودة المعارضة إلى الداخل وقننته اتفاقية الخرطوم للسلام في عام 1997 مع دكتور رياك مشار وتضمنه دستور 1998 أيام وجود الترابي على رأس الجهاز التشريعي ووافقت عليه القوى السياسية جميعا ومر بمراحل تشريعية وسياسية ودستورية متعددة قبل أن يوقع عليه نهائيا في نيفاشا.
أعلن مؤخرا عن تأجيل الاستفتاء الخاص بأبيي، أين وصلت المفاوضات بشأن هذا الملف؟
تأجيل استفتاء أبيي يجيء بسبب عدم الوصول إلى اتفاق حول كيفية تنفيذ هذا البروتوكول وما نتج عنه من تفاهمات لاحقة بما في ذلك قرار التحكيم في لاهاي، وكل ذلك بسبب تعنت الحركة الشعبية ومحاولتها إقصاء بعض الأطراف وتحديدا المسيرية والسودانيين الآخرين المقيمين في أبيي، مما يعتبر تجاوزا صريحا للنصوص الواردة في البروتوكول نفسه، وستظل الجهود قائمة في محاولة للوصول إلى اتفاق فيما تبقى من عمر المرحلة الانتقالية في خلال الستة أشهر القادمة.
بالنسبة للقضايا الخلافية الأخرى، هل نتوقع الوصول إلى حلول قبل انتهاء الفترة الانتقالية؟
هذا ما نسعى نحن من جانبنا للوصول إليه ولكن كما تعلم فإن إرادة طرف واحد ليست كافية لبلوغ الغاية، هذا يعتمد على مدى تجاوب الحركة الشعبية ورغبتها في إكمال هذه القضايا التي تعكف عليها لجان الآن فيما يعرف بقضايا ما بعد الاستفتاء تحت إشراف الآلية الرفيعة المستوى التي يقودها رئيس جنوب أفريقيا السابق ثابو مبيكي، فنحن حريصون على إكمال هذه الترتيبات قبل نهاية الفترة الانتقالية ومنطلق حرصنا هو أننا نرغب في استدامة السلام والعلاقات الإيجابية بين طرفي البلاد سواء في حالة الوحدة أو في حالة الانفصال وتتعزز الحالة في الإسراع بترتيبات حول هذه القضايا في حالة الانفصال بوجه خاص.
هناك من يخشى أن تعود الإنقاذ إلى المربع الأول بعد انقضاء الاتفاقية؟
ليس هناك من سبب لهذه الخشية لأن الإنقاذ كانت وما زالت تقود البلاد بالتفويض الشعبي وبالالتفاف الشعبي وليس عن طريق أي قوانين استثنائية أو إجراءات تعسفية.
ما هو ردكم بشأن مطالب بعض قوى المعارضة بتشكيل حكومة قومية بعد الاستفتاء؟
مسألة تشكيل حكومية قومية أمر سابق لأوانه، هناك انتخابات جرت وعلى أساسها تم اختيار الجهاز التنفيذي، ولكن طبيعة المرحلة القادمة تقتضي التوافق حول سياسات قومية وموجّهات لحكم قومي، وهذا يمكن أن يفرز آليات أوسع من قضية الجهاز التنفيذي والحكومة من مفوضيات أو مجالس تشاور وآليات للمشاركة، وهناك خبرة تراكمية يمكن أن نبني عليها في تجارب السودان أو في تجارب الدول من حولنا، لأن المطلوب هو اشتراك الجميع في تحمل مسؤولية الوطن، دون إخلال بالمعادلة الديمقراطية التي أسفرت عنها نتائج الانتخابات.
سؤال أخير، ما هي التدابير التي ستتخذها الحكومة بعد خروج إيرادات البترول من الميزانية؟
لحسن الحظ أننا قد نجحنا في إدارة الاقتصاد لفترة عشر سنوات كاملة قبل أن يستخرج البترول ويصبح جزءا من إيرادات الميزانية العامة، وبعد دخول البترول في موارد الميزانية فقدنا جانبا من إيرادات البترول إما بهبوط سعره خلال هذه الفترة بين العام 2000 و2010، وكذلك فقدنا خمسين بالمائة بعد توقيع الاتفاقية بذهابها للجنوب، إذن الخبرة الموجودة في إدارة الاقتصاد قابلة وفيها مرونة للتكيف مع هبوط أو اختفاء موارد البترول الكلية، وهناك ترتيبات اقتصادية أول الإشارات فيها هو ما ورد في ميزانية العام 2011 التي جاءت مبنية على غياب أو فقدان البترول في النصف الثاني من العام 2011.