لبيك عثمان الشيخ : الحسن ود زينب –15 للكاتب القديرالاخ فيصل محمد خير محمد
سـوق السبت ...
ربيـع الاســبوع ...
عيد لـُقيا وحصـــاد ...
لا يُكدره ذرات غبار أيقظتها الاقدام والحوافر والسعيه الوارده من كل فج فسمت بها فوق هامات الرجال....
سعيه إفــتخَروا بحيازتها الجمعه إستَغنوا عنها السبت مقابل اوراق عقيمه باهته عمياء لا سمن ولا حليب ولا... ولا ...!.
سوق السبت ...
حركة فتية نشـطة ....
مــلامح سـعيده بلُقيا وعناق أرحـــام تبعثرت تـُعمر وتغرس في الجوار... ( تنقسي, حمور , الغدار , القولد , الدبه ,...)
سوق السبت ...
حياة لم تبلغ شبابها وعنفوانها عندما رفع صلاح كتمبول رأسه وقذف كمية من الجُــرم المسبوق برطب ودلقاي في فمه فوقعت عيناه علي حاج العبيد أمام جزارة حميده العجيل يدس ما إشتراه في المخلايه المتدليه من سرج (الخديره) الفاخر و يهم بمغادرة السوق بعد أن سَـنَ مناجله الثلاثة بواسطة ود مرجان ...
- حاج العبيد ؟... سلام عليكم ..
إستدار العبيد لمصدر التحيه ثم تحرك في تجاه كتمبول وهو يردد ..
= أهلا أهلا ... صلاح إن شا الله إنت واهلك طيبين ..
- الحمد لله كلنا بخير بشوفك مارق من السوق بدري بدري ...!!
= والله قضيت غرضي في السوق الحمد لله بدور اغشا الحواشه ...
- ماشاء الله البركه في البكور ... لكن بقولك شنو يالعبيد ! ظنيتو عندك جواب وطرد في الدكان مع عبد العـظيم عبدون من الحسن..دحين إستلمتو؟؟
= لا لا .. شكرا يا صلاح كتر خيرك بمر عليهو إن شاء الله ......( صمت قليلا ثم أردف ) لكن إنت لاقيتو في الخرطوم ...؟؟
- أي والله أمس الصباح ما شاء الله مبسوط تب ...
= الحمد لله ربنا يطمنك ..ثم إستدار راجعا لوسط السوق لإستلام الخطاب الذي بدأ قرأته قبل إســتلامه ...
فالعبيد حزمــــة مركبة ومتحركة من الشجن والندم والحيرة.. يتسائل في حلة وترحالة ... كيف يتطهر ويغسل الوزر الكبير ... ؟.
أيكفى إن نام في كهف الحسن عشر سنين وإعتزل الناس .... ؟
أفي العمر مايكفي للتوبة ...؟.
الضمير الحي ولي ووالد يصبح قاضى وجلاد متحيز للحق والعدل في سفور ضد الذات عندما نكون ضعفاء بماضينا كيف نتواري من دواخلنا ..؟!
ماذا عن زينب!!
الضمير الحي يفتي لصالح الغير ويحكم ... والآخر ضميرليس له ضمير ...
أمن فقية يُفتية ... أم عليه القضاء والكفارة تحوطا وكيف ؟!
أمرخص له أن يتحدث عنها حتي بالخير وهي في عصمت رجل أخر؟
هل يكتفي بما ســـر به لوالدها النور ويعالج أمره ســرا ...؟!
كيف تطحن شخص وتعتذر لغيره وإن كان والده ...!
كيف والمطحون بظلمك لايعلم بإعتذارك الذي لا ولا ........؟!
هل زينب لا تهتم ونسيت أن كان في حياتها يوما العبيد !
هل النبل الكبير يتغشاه الكره والبغضاء أيضا أم يغفر وينسي ويجود...؟؟
نعم كان الافضل أن يخبرها قبل الطلاق وزواجه بالساره .
أ يسعدها أن تكون كما يراها العبيد أم كما يرى العبيد الساره !!؟.
أما الحسن ... فسيكبر و تكبر معه أسئله لا يطرحها علي أحد ...! وإن فعل فلن يشفي غليله أحد ...!!؟
كاد أن يتجاوز المكان وهو يقرأ عتاب لم يُـطرح عليه ..! عندما مد له عبد العظيم عبدون يده بالسلام وسحبه داخل المحل وسلمه ( خطاب خُط بأنامل لم تحتضنها بنفس الحب هذه اليد التي تحتضن الخطاب عندما كانت ألأنامل رقيقه وتبحث عنه في لهفه ... !
طرد صغير غـُلِفَ بعنايه تجمله عباره ( الوالد العزيز العبيد المحترم.)
تأبط الطرد ليتمكن من د س الخطاب بجيب العراقى ثم أسدل عليه الجلابيه فى حنان وحرص ثم وضع يده علي السرج وقفز سعيدا بما في جيبه مهموما بما في قلبه .... إتجه مباشرة الى الحواشه حيث أطــلق (الخديره) ترعي حوض برسيم هرم بماعليها من خيرات السبت ... جلس علــــى ( اُمبقة ) أصرت على البقاء رغم محاولات إحراقها ويده تفض فـــى حرص الظرف ......
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة علي الهادي الامين
الجمعه / 25 / فبراير / 1978م
الخرطوم - الثوره - الحاره الاولى
شارع رقم (10 ) منزل رقم 144
والدي العزيز سلام الله يغشاك يحتويك يتسرب فيك يغمرك بالخير الوفير و كل من كان بجوارك تُحبه وأحبه .
سلامي للاعزاء دوما خالتي الساره متعها الله بالصحة والعافيه ..
والتيمان العزيزان كم يلسعنى الشوق اليهما ...
أبي ... بالطرد ما أرجو ان يتناسب معهما والصغير حميده ويسعدهما ... أبي حدثهما عني فإني أحدث النفس عنهما ليل نهار وأرجو لقائهم في شوق وكذلك خالتى الساره فهي تحب اللون الاحمر مع أنصع وأعطر الامنيات لها . ولك المسبحه و المصحف و المصلاة وقد إخترته لك بخط كبير وليتقبل الله منك ولن تنسانا بالدعاء .... و مسبحه و مصلاة لجدي الشيخ عثمان عجيب فهو كما سبق و أخبرتك يستحق مني الكثير من الوفاء والتوقير فله في قلبي الكثير ... طوي العبيد الخطاب الحسن لا يهدي الساره و أبيها السلام فقط بل .. فمن أين جاء بهذه الطاقة الروحانية ...أنا لا أملكها ولم أدعيها .... )
لم يكمل القراءه عندما سمع صافرة (حسين طلب ) تنادي سارق حصة غيره من الحفير الفوق فرفع رأسه ومن خلال النخيل وفوق السور كانت صوره حسين طلب بشاله المخطط واضحة سرعان ما بدأت تتراقص ثم تختفى ... ! لم يتغير لون دموعه لكنها أغرقت مقلتيه فسلبتهما القدره على استقبال الضوء ... فغادر الحواشه قبل أن يكمل الخطاب .؟!
ترجل من ( الخديره ) وأنزل السرج بعد أن فصل المخلايه ... وسلمها للساره وهي تحدق فى الطرد الذى يتأبطه الي داخل الغرفه.... لف كل من التيمان يديه حول ساق والده مرددا ( يابا .. يابا يابا حسن رشاني بالمويه البارده ؟. ) بادر حسين مستبقا التعنيف (يابا هو ضربني في ضهري ... يابا الحلاوة وين ..؟؟)
أخرج العبيد كيس الحلاوه والجرم من جيبه وقذف به للساره علي السرير المجاور وجلس علي الاخر يفض الطرد بعنايه ...
سديرى وعراقى وسروال للتيمان وجوز فنايل للصغير حميده وناولها طرحتان بلون احمر غامق وأخر فاتح وعندما قال لها الحسن رسل ليكم الحاجات دي سحبت يدها بسرعه أكبر مما تفعل عندما تلسعها آلسنة اللهب التي تجاوزت اطراف الموقد ... ...
نظر العبيد مباشرة في عينيها نظره إفتقدتها مده من حيث الاتجاه تخشاها من حيث المدلول فنهضت لاحضار فطور قد يفشل فى أن يجد من يشتهيه بعد تلك النظره ...
أخرج الخطاب لاول مره فى حضورها غير مكترث بها وشرع يقرأ مواصلا .
(والدي العزيز .. عني راض و سامحتني .... اُحس رضاك قويا فتيا يتقدمنى فى كل خطوة يزلل الصعاب يفتح الابواب يحسن ختام سعيي فى الذهاب او الاياب .) كما جائك في خطابي السابق
فقد أرسل الله لي الوالده فتيقنت من رضاك وعفوك عنى ...
أبي العزيز سوف أحضر إن شاء المولى في موسم البلح لاقف بجانبك فهو مجهود صعب ولكنه رائع و( ياريت التمر يشيل كل تلات أشرُ )
ابي العزيز ...
سوف يتم أعلان نتيجة القبول للجامعات اول الشهر الجاري إن شاء المولى .. وأنا علي ثقة من دعمك لي بالدعاء والتوسل لله عـز وجل...)
مساء الجمعه ....
كان الحفل التشريفي والتعريفي علي شرف السيده / زينب النور من تنظيم واخراج وتمويل أبناء العم ( د خالد عبد السلام ) و ( هاشم السنوسي ) والحضور يزيد أو ينقص عن المئه من الاقارب والجيران وأصدقاء المقدم ولم ينسى الدعاه دعوة اقارب زينب بالخرطوم ...
لكن أن يسبق الحسن زينب الى دار عوض النور... وبتدبير طيب النوايا وصادقها بل ويكون من مستقبليها وأول ما يكحل عينها داخل الدار هو حُــسن الحسن ..!
ذلك لم يرفع الحرج عن صدر زينب... حرج يمنعها أن تسأل عن الحسن العبيد في يومها الأول في دار عوض النور بل غمسها في حرج جديد جعلها تتسائل : ( من عوض النور ؟! )
أهناك رجلا بهذا النبل والحلم والحنان والإيثار... ؟
لم يطوق عنقها فقط بل أسر روحها و كامل جسدها الى الابد وحبسهما فى جميل لا تملك له مقابل أو شبيه ...!
حقا كيف تشكره وتنعتق إنه يرهقها بجميل لاتملك رده ....
لا تتعالى على عطاء الاخرين لكنها فوجئت بعطاء تتضائل كل خزائنها أمامه...
أمس هي نبع غزير للعطاء اليوم مصب غني يبحث عن مصارف وسبل لينداح في حياة الآخرين ..!
النفس العظيمة لا تتألم من الحرمان وقد تسعى إليه تعبدا ...
النفس الآمارة بالبذل لا تتذمر من العطاء بل تسعي إليه تقربا...
لكنها تتألم من الاخذ بلا مقابل أو إستحقاق رهبة وتقية ...!!
ليس السبق أن تبادر بمعروف او جميل أوتهب الغير كل ما تملك ولكن السبق أن تقدم ماليس معروفا للغير وليس في وسعهم أن يقدموه وببساطة شئ يخصك وحدك ....
لا يملك مثله غيرك ولم تبخل به ...؟؟
سبق فريد مُعجز لا يتكرر .. سبقها اليه عوض النور ...
( عوض ....النور ! )
( عوض و النور ! )
عوض ...! هل تعوضها الاقدار علي الصبر الجميل ...!؟
النور ...! هل يشع ظلام الماضي ضياء في مسارات الغد القريب
هل روعة مدلولات الاسم ( عوض ... النور )الذي إقتحم حياتها بلا تمهيد إشارات إلاهيه أوبشارات تؤهل النفس المقهوره لتتوقع ما هو آت... !
كانت لحظه صادمه سلبتها القدره علي الرؤيا والحركه وعندما إستعادت وعيها علي الكرسي وأصابعها تغوص في رأس الحسن الناعم وسواده أبيض من الحليب .. كان رأسها يرتاح من مشوار مرهق في احراش المستقبل علي صدر سلمى التي تقف بجوارها وتطوقها بيديها الناعمتين ... ولا حديث .. وليس هناك من يجيب علي تلك الأسئله غير العشم في صدق الرؤيا الخيره ...!
هل سوف تجتر كثيرا بمتعه مؤلمه تلك اللحظه أم أن هناك ماهو أعظم وأروع ألما ماذال يتشكل في رحم الغيب.....إنها بداية فتره عظيمه مـن حياتها .. أحداث أيقظت عيونا راكده في اعماقها فسكبت مياها نقيه وشفافه تفصح عن لؤلؤ والونا بديعه تتكسر علي السطح والشاطئ .....
في ختام الحفل البهيج والرائع بالاعزاء والاقارب وجيران يزحزح كثير منهم الاهل عن مراتب عزيزه ويتربع عليها ....
حفل نظمه كل من ( إبن عمه هاشم السنوسى ) و دكتور خالد عبد السلام وكان في دار عمه عبد السلام وهي قريبة من سكن عوض النور
إبن عمه دكتور خالد عبد السلام ممن زاروا الغابه مع والده عبد السلام ودكتور خالد وعمته صافيه والده سوسن والسره واسرة عوض النور ( سلمى وسمير وسامي )ورغم ألمده القصيره التي قضها هناك كانت كافيه ان يبلغه عن زينب الكثير ...
فوقف قبل نهاية الحفل قائلا :
طبعا الاخت زينب النور تعرفت من خلال الحفل على الكثير عننا لكننا مازلنا نجهل عنها ما يجب معرفته من خلالها هي ..! وفي ختام هذا الحفل نرجو أن لا تنكر علينا موهبتها الشعريه وأن لم تتمكن من ارتجال شئ من القصيد فلتتحفنا بما سبق وتسرب ليلا او نهارا من جوف بلغنا انه غني بزاهي اللون وجميل الصوت وروائع المعاني ومحاسن اخرى كثيره .. نرجو أن تتقدم وتتحفنا بشئ ...
إنه طلب ورجاء من كل الحضور فإن أرادت أن تعتذر فعليها أن تجلس مع كل فرد من الحضور وتعتذر وفي النهايه نجلس ونحصي الاصوات فإن كان عدد الذين قبلوا العذر 100% او من رفضوا العذر صفر% عندها تكون في حل من الطلب ...ضج الحضور بالاستحسان والتصفيق لنتيجة التصويت التى ترغم زينب علي النهوض ....
نهضت زينب واتجهت الي حيث تجلس أم سوسن وانحنت تقبل رأسها وتقول: ( يمه سامحينا ساهرنا بيك ...)
ثم وقفت خلف المايك ... سمت وحمدت وصلت ثم شكرت وشكرت وعاتبت عتابا جميلا من ساقها بلا خيارات حيث تقف ... قالت في صوت مرهق.. :
في الحقيقه ما اطرحه عليكم ليس إرتجالا مئه في المئه وليس قديما فهو قد تشكلت قواعده وهياكله منذ أن لمست قدمي هذه الدار ... وقد إخترت لها عنوان ( طوبى ....)
طــوبى للقلوب النازفات الروح ...
الصابرات علي مُـرٍٍِ السقم.
طـوبى للحلم الذي هجر الديار...
يرتجي ظل الغمام فما ندم .
طـوبى للحلم الذي كان ....
كان حُـــلمي شــمعة .
كان حُـــلمي شـظية .
كان حُـــلمي سهم برق خُـلََـَبِ ...
يثقب الحــالكات من حُـــلل الزمان ...
لعلني أهتدي سـُبل النعيم .
فبزغتَ أنتَ قـُُــبالتي ...
فســمٌوت بي فوق العـلا
دثرتني حـُلل الرضـــــا
طيبت فيني الخواطر والعشم
أنهلتني نهـر الجنان
وسدتني صدر الحنان
كيف لا ...
أنت يانبـــــع الســـنا
أنت يانهــــر الهــــنا
أنت ياشمس الأصيل
أنت ياكُــل النجوم الــزُهر يا ...
أنتَ أنتَ ... بهرتني
وســملتَ مُقلتي عن ســـواك !
أدركت سلمي أن ما يقال هو أبن تلك اللحظات الأول عندما أنكرت أن من يقف بين سلمي وسمير كان الحسن ...
نهضت واتجهت وامسكت بيد زينب التي سحبتها سريعا وضمت بها رأس سلمي اليها في حنان لا تضمره إلا من قالت (كل أم بمعزة أمي عزيزه ..)
صمت صاخب انتظم الحضور وعيون شاخصه في إنتظار المزيد من النور ...
فأردفت قائله بينما سلمي تلوح بيمينها لجدتها ( أم سوسن ..)
زينب النور علي ثقة أن أبيها وجميع الأهل بالغابه الآن يشاطرونها الفرح إحساسـا كما تـُحِـسه الآن ويبعثون لكم بغمام من وافر الشكر وطيب الإمتنان علي حفاوة الاستقبال وكل هذا الحب والتقدير الذي يملؤني عزة وفخرا فهو وســام منقوش علي سعف النخيل وأوراق الليمون والمانجو ويتلألأ الي الابد علي صفحة مياه النيل وإخضرار جروف الغابه .. وفي الختام أرجو أن يعينني الله فأكون بينكم دوما كما أنتم دوما بين الحنايا والضلوع ...عطرُ ونور ... عطرُ ونور.